أحدهما: أنَّ الصدقةَ كما ورَدَ أنها تدفَعُ البلاء؛ فإذا تصدَّقَ عن أعضائِهِ -كما ذكر- كان جديرًا لِدَفعِ البَلَاءِ عنها.

ثانيهما: أنَّ للهِ -عَزَّ وَجَلَّ- على الإنسان في كُل عضو ومفصل نعمة، والنعمة تَستَدعِي الشكر، ثم إنَّ الرب - جَلَ جَلَالَهُ - وهبَ ذلك الشُّكرَ لعباده صدَقَةً عليهم كأنه قال: اجعل شكر نِعَمِي في أعضائك؛ أي: تعين بها عبادي، وتَتَصَدَّقُ عليهم بإعانتهم (?).

قال سهل بن عبد الله التُّسْتَرِي -رحمه الله-: "في الإنسان ثلاثمائة وستون عِرْقًا: مائة وثمانون ساكنة، ومائة وثمانون متحركة، فلو تحرك ساكن لم يتم، ولو سكن متحرك لم يتم" (?).

ثانيها: قوله: "كُلَّ يومٍ تَطْلعٌ فيه الشَّمسُ" وَجْهُهُ: أنَّ دَوَامَ نِعمَة الأعضاء نعمة أُخرَى، ولَمَّا كان الرب تعالى قادِرًا على سَلْبِها في كُلِّ وقتٍ وأَوَانٍ -وهو في ذلكَ عادِلٌ في حُكْمِهِ لا اعتِرَاضَ عليه فيه- فَعَفْوُه عن ذلك وإدَامَةُ النِّعمة عليه صدقة توجب الشكر والرعاية دائمًا مَا دَامَت النِّعمة.

ثالِثُهَا: الصَّدَقةُ ضَرْبان: عن أموالٍ: كالزكاة وصدقة التطوع.

وصدقة الأفعال كالمذكورة في الحديث، ويجمعها عبادة الله كالمشي إلى الصلاة، ونفع الناس؛ فمنهُ العدل بين الاثنين تَحَاكَمَا أو تَخَاصَمَا، سواءٌ كانَ حاكِمًا أو مُصلِحًا إِذَا نَوَى دَفعَ المُنَافَرَةِ بينهما فـ {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات: 10]، {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ} [النساء: 135] ونحوه من الأمر بذلك (?)؛ فَفِيهِ فَضلُ الصُّلْحِ، قال الله تعالى: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015