وقد ثبتَ أنَّ موسى -صلوات الله وسلامه عليه- كان حَدِيدًا، حتَّى كان إذا غَضِب خرجَ شعرُ جَسَده من مُدرعته كمُسُلِ النَّخلِ (?)، ولهذا لَمَّا عَلِمَ ما أحْدَثَهُ قَوْمُهُ من بعد أخذَ بِرأْسِ أخيه يَجُرُّهُ إليه.
وكذا يحكَى أنهُ لَمَّا خَرَقَ الخضر السفينة غَضِبَ موسى وأخَذَ بِرِجْلِ الخَضر ليُلْقِيهِ في البحر حتَّى ذكَّره يُوشَع عهدهُ مع الخضر فخَلَّاهُ.
خاتِمة: قولهْ: "فَردَّدَ مِرارًا" يعني: أنَّ السائِلَ كرَّرَ السؤال مِرارًا بقوله: أوصني يا رسول الله! لأنَّهُ لم يقنع بقوله: "لا تغضب" وطلبَ وصيَّةً أبلغ منها وأنفع، فلَمْ يَزِدْهُ عليها؛ لِعِلمِهِ بعُمُومِ نَفْعِها، ونبَّهَ السائل على ذلك بتكرارها، وصارَ هذا كما قال له العبَّاس: عَلِّمني دُعاءً أدْعُو به يا رسولَ الله! فقال: "سَلِ اللهَ العافِيَةَ" فَعَاوَدَهُ العَبَّاسُ مِرارًا، فقال: "يا عبَّاسُ! يا عَمَ رسولِ الله، سلِ اللهَ العافِيَةَ في الدُّنْيا والآخِرةِ، فإنَّكَ إذا أعْطِيتَ العافيةَ أعطِيتَ كُلَّ خيرٍ" أو كما قال (?).
وكذلكَ لَمَّا قال لأصحابه: "اجْتَمِعُوا فإنِّي أَتْلُو عليكم ثُلُثَ القرآن"، فاجتمعوا فتلا عليهم "سورةَ الإخلاص" ثُمَّ دَخَلَ مَنْزِلَهُ، فأقاموا ينتظرونه فيكمل لهم ثلثَ القرآن، فخرج عليهم فقال: "ماذا تَنْتَظِرونَ، أَمَا إنَّها تعدِلُ ثُلُثَ القرآن" (?) يعني: سورة الإخلاص.
* * *