ذلك الصَّحابي؛ لاحتمالِ أن يكونَ الآمِرُ غيره، وحَذْفُ الفاعل هنا مِن باب التَّعظيم، وهو مِن قولهم: أمر كذا، أو لا يذكرون الآمِرَ تعظيمًا لهُ وتفخيمًا.
وقوله: "أن أُقاتِلَ" أي: بأن أُقاتِل؛ لأنَّ الأمرَ إِنَّما يتعدَّى -غالِبًا- بالباء، و"أمرتُكَ الخيرَ" ونحوه مُؤَوَّلٌ علي جعلِهِ مِمَّا يتعدى بِنَفْسِهِ.
و"الناس" قد تكونُ مِن الجِنِّ أيضًا، قالهُ الجوهري (?).
والمُرادُ هنا: الإنس خاصة؛ لأنه لم يُقاتِل غيرهم، وإِنْ أَسْلَمَ على يَدِهِ جِنُّ "نصيبين"، ورسالتهُ عامَّةٌ.
ثُمَّ مِنَ الإنس: عبدةُ الأوثان دون أهل الكتاب؛ فإنهم يقولون: لا إله إلَّا الله، والأمر بالمُقاتلة يُفْضِي إلى القَتْلِ، فيستنبطُ مِنْهُ الإقدام على قتله إذا أَخَلَّ بشيء مِنْ ذلِكَ فالجاحِدُ كافِرٌ، والمُتَكاسل المصر على الترك يُقْتَلُ حدًّا عندَنا، وكفرًا عندَ أحمد، وهو مقتضى العِصْمَة، لا يُقال أنَّ الحديث في الكافر الأصلي فإن المسلم أولى بدليل قضاء المرتد دونَ الأصلي.
وقوله -عليه الصلاة والسلام-: "حَتَّى يَشْهدُوا" وإن كان غاية ففيه معنى الشَّرط، وحُكم ما بَعْدَ الغَايَةِ مُخالِفٌ لِمَا قَبْلَها، فكفُّ القِتال عنهم مَشْرُوطٌ بالشَّهَادَتَيْن والصلاة والزكاة، وإذا انتفى الشرط انتَفَى المَشْرُوط، وإذا انتفى فعل الصلاة والزكاة انتفى كفُّ القِتال والقتل، وصارَ التَّقدير: إنْ صَلّوا وزكوا كُفَّ عنهم القِتال، ويشهد له قوله تعالى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا} [التوبة: 5]، وفي الأُخرى: {فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} [التوبة: 11].