وإنما قلنا ذلك للعمل المستفيض من الصحابة في الأسفار أنهم كانوا يقتسمون اللحوم على التحري، والقسمة بيع كل واحد من المقتسمين حظه بحظ صاحبه، ولأن الحذر في الشرع قد جعل طريقًا إلى جواز البيع فيما شرط فيه الكيل والوزن، وسببًا لمعرفة المقدار فيما يعرفان به عند (?) تعذرهما، ألا ترى أنا نجيز ذلك في الزكاة والعرايا، فجاز أن يكون التحري في مسألتنا طريقًا إلى معرفة التماثل للضرورة، ووجهها أن الموازين في الأسفار قد تعدم وتتعذر فلو قلنا: أنهم لا يقتسمون اللحم في الأسفار إلا بميزان لشق ذلك (?)، وأدى إلى ضياعه وفوات الانتفاع به، فجاز لهذه الضرورة قسمه وبيعه.
فصل [9 - في بيع الطعام بالطعام]:
لا يجوز بيع طعام بطعام إلا نقدًا ولا يجوز فيه تأخير بوجه كان من جنسه أو من غير جنسه كان مما فيه الربا أو مما لا ربا فيه بيع متفاضلًا أو متماثلًا، ومن شرطه التقابض في المجلس (?)، وقال أبو حنيفة: يجوز أن يفترقا من غير قبض إلا أن يكون المبيع جزءًا مشاعًا (?)، ودليلنا قوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الربا في النسيئة" (?)، وقوله: "لا تبيعوا الذهب بالذهب ولا الورق بالورق ولا التمر بالتمر ولا الشعير بالشعير ... إلى أن قال: إلا سواء بسواء عينًا بعين يدًا بيد" (?)، ولأن كل شيئين لا يجوز أن يسلم أحدهما في الآخر مع جواز السلم فيه فلا يجوز بيعه به إلا يدًا بيد أصله الذهب والفضة أو الذهب في الحلي، ولأنه بيع عين بعين يفسده دخول الأجل، فكان التقابض شرطًا فيه أصله إذا باع جزءًا مشاعًا من صبرة.