نمت وانتشرت انتشارًا واسعًا وازدهر الفكر ازدهارًا كبيرًا، فتعددت الدراسات الإِسلامية في مختلف الفنون مما حدى بكثير من المؤرخين بوصف هذه الفترة من التاريخ الإِسلامي بالعصر الذهبي بالنسبة للثقافة الإِسلامية، وأسباب هذا الازدهار تقريب الملوك والأمراء لبعض العلماء والأدباء وتنافسهم في إكرامهم وضمهم إلى بلاطهم، وكذلك انتشار المكتبات العامة، وإنشاء المدارس الخاصة والعامة، ومما شارك وساهم في هذه النهضة الفكرية كذلك انفتاح الحضارة الإِسلامية على الحضارات اليونانية والرومانية والفارسية والهندية التي بدأت من عصر المأمون، وقد اشتغل بها عدد كبير من المثقفين حيث وجدت قبولًا بل وامتزاجًا ببعض فروع الثقافة الإِسلامية -على الرغم مما صاحب ذلك من مصائب وأخطار- وشيوع المناظرة والجدل.
فلقد كانت بغداد -وهي موطن ومنشأ القاضي عبد الوهاب- من أكبر المراكز الثقافية والفكرية سواء من نجب فيها من العلماء الأعلام، أو لجأ إليها من طلاب العلم الذين جاءوا ينهلون من علومها ومواردها وليستفيدوا من تراثها الثقافي بمختلف فروعه.
لقد حظيت هذه الفترة بحركة علمية واسعة شملت كل العلوم: الفقه وعلوم القرآن والحديث واللغة والأدب والفلسفة والكلام والفلك والرياضيات والطب والصيدلة والجراحة والفيزياء والجغرافيا.
فلا غرابة - إذن أن تنعكس هذه النهضة الفكرية الشاملة على نفسي القاضي عبد الوهاب الذي كان يلم بشتى أنواع العلوم والفنون كما سنعرف ذلك في ترجمته إن شاء الله.
...
في هذه الفترة تميزت الحياة الدينية بتوسع الحركة العقدية، وتعدد الفرق واشتداد التنافس والنزاع بينها، وكانت الدولة تتدخل في الشؤون العقائدية،