فلم يجز له الرجوع فيه، وعلى ذلك دل قوله - صلى الله عليه وسلم - لعمر رضي الله عنه لما سأله عن الفرس الذي حمل عليه في سبيل ثم رآه يباع "لا تبتعه ولو باعكه بدرهم ولا تعد في صدقتك" (?)، وقوله - صلى الله عليه وسلم - "إنما الصدقة ليومها" (?) يريد يوم القيامة، ومن هذا هبة الغني للفقير والهبة لصلة الرحم وما كان بمثابة ذلك.
وإذا ثبت منع الرجوع فكذلك الانتفاع به لأنه ضرب من الرجوع إلا أن يشرب من ألبان الغنم يسيرًا أو يركب الفرس الذي في سبيل الله أو ما أشبه ذلك مما يقل خطره.
فأما الضرب الآخر وهو الهبة للمودة والمحبة فليس لأحد فيها رجعة إلا للوالدين فيما وهباه لولدهما فلهما اعتصاره ما لم يداين أو يتزوج أو يطأها إن كانت جارية أو يكاتبه إن كان عبدًا أو ينفقه إذا كان مالا أو يختلط بمثله إذا كان دراهم أو حنطة أو ما يكال أو يوزن أو يبعه فلا يكون للوالد سبيل إلى الارتجاع، وإذا كان الولد أيتامًا فلا عصرة للأم فيما وهبته، وليس لأحد رجوع في هبته إلا للوالدين لامن قريب ولا من أجنبي لا جد ولا غيره من الأقارب (?).
فصل [9 - في منع الواهب من الرجوع في هبته]:
وإنما قلنا إنه ليس للواهب سوى الوالدين الرجوع في هبته خلافًا لأبي حنيفة في قوله أن لهم ذلك (?)، لقوله - صلى الله عليه وسلم - " لا يحل للرجل أن يعطي العطية ثم يرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده ومثل الذي يعطي العطية ثم يرجع فيها