قال فلان صادق فيما شهد به عليَّ ثم أنكر شهادته لأن الرضا بالشهادة ليس برضا بإجتهاد لأن الشهادة علم يؤديها الشاهد إلى الحاكم لا مجال للإجتهاد فيها له أن ينكر إذا شهد عليه بالباطل، والقضاء بخلافها لأن طريقه الاجتهاد فما رضيا بحكمه وعلما أنه يجتهد وأن اجتهاده ربما وافق مراد أحدهما وربما خالفه فقد دخلا على الرضا بما يكون منه.
فأما إذا حكم بينهما بجور أو بخلاف نص أو إجماع فلا يلزم كالشهود إذا شهدوا بالباطل لأنهما إنما رضيا بأن يحكم بالشرع لا بخلافه، ودليلنا على أنه يلزم وإن خالف رأي قاض البلد أنه إذا ثبت أن يتراضيا به (?) فقد صار حاكمًا ينفذ حكمه عليها وصار بمنزلة حاكم آخر في البلد لأن تراضيهما به يقوم مقام نصب السلطان له.
فصل [13 - في كتاب حاكم بلد إلى حاكم بلد آخر]:
إذا ثبت عند حاكم بلد حق لإنسان على رجل في بلد آخر وتعذر عليه إقامة بينة عند حاكم ذلك البلد جاز للحاكم الذي يثبت الحق عنده أن يكتب بما يثبت عنده له إلى حاكم ذلك البلد وعلى المكتوب إليه أن ينفذه إذا شهد شاهدان (?) بأنه كتاب ذلك الحاكم ولا تنفع الشهادة على حكمه دون لفظه بأنه كتابه (?).
وإنما قلنا إن كتاب الحاكم إلى الحاكم يثبت به الحق للضرورة إليه (?) لأن البينة ربما يتعذر إقامتها عند ذلك الحاكم فلم يبق طريق إلا أن يكتب ذلك الحاكم به إلى من يلتمس تنفيذه للحكم لأنه لو لم يقبل ذلك لأدى إلى ضياع الحقوق، ولأن كتاب الحاكم أو شهادة الشهود بثبوت الحق يثبت عند الحاكم (?) الثاني بشهادة الشهود عنده بحكم الأول به فكذلك شهادتهم عليه أن هذا كتابه.