السنة لا تغالب، وأنهم إذا أظهروا ما ينطوون عليه لم يروا إلا الحسام فضلا عن الإِصاخة لهم.
فكان الموقف بإفريقية موقف الشدة المتناهي، وهو ما جعل المعز يتخوف من الظهور بمذهبه الظهور الجليّ إلا أنه لما حل بمصر، وتمكن من ناصيتها، ورأى ضعف المقاومة هناك، وأنها ليست كالتي بإفريقية، فالصرامة التي ظهرت بإفريقية هي صرامة من نوع خاص من الذب عن السنة، تغير موقفه نوعا ما.
إلا أن المعز لم يعلنها دعوة صريحة كما حكاه ابن الأثير صاحب الكامل: "وكان المعز عالماً فاضلاً، جواداً، شجاعاً، جارياً على منهاج أبيه من حسن السيرة، وإنصاف الرعية، وستر ما يدعون إليه إلا عن الخاصة، ثم أظهره وأمر الدعاة بإظهاره إلا أنه لم يخرج فيه إلى حد يذم به" (?).
والظاهر أن إبداء الدعوة الصريحة إنما كان بعد فتح مصر، والتوثق منها، والوقوف على ضعف المقاومة من جندها، عكس ما كان عليه الأمر بإفريقية من سيَلان دماء، وإزهاق أرواح، ومجادلات عنيفة.
ويؤيد ما ذهبت إليه أن شاعره ابن هاني (?) لم يصرح في أمداحه بالغلو إلا بعد فتح مصر، وسيّر المعز إليها، فأنشده قصيدته التي كانت تمثل الغلو في شخص الأمير الفاطمي: [الكامل]
مَا شِئْتَ لاَ مَا شَاءَتِ الأقدَارُ ... فَاحْكُمْ فأنت الوَاحِدُ القَهَّارُ
وَكَأنَّمَا أنتَ النَّبِيءُ مُحمّدٌ ... وَكأنَّمَا أنْصَارُك الأنْصَارُ