ولا يعني وصف المراجع بعض القراءات بأنها شاذة، وفصلها في معجمنا عن القراءات السبع، والثلاث التي فوق السبع، والأربع التي فوق العشر - لا يعني هذا التقليل من قيمتها أو وضعها في درجة أقل بالنسبة لغيرها من القراءات، وإنما هو اتباع لتصنيف القدماء، واستخدام لمصطلحاتهم، وإن كان لفظ "الشاذ" قد ترك ظلالاً خاطئة، وأوقع بعض العلماء في وهم كنا في غنًى عنه، مما اضطر عالما متقدما، هو ابن الجزري إلى إزالة هذا الوهم بقوله: إن إطلاق بعضهم على ما لم يكن من القراءات السبع شاذًا إطلاق غير موفق، فإن كثيرا مما روي عن غير السبعة أصح من كثير مما روي عنهم.
ولعلنا نرد للقراءات الشاذة بعض قيمتها حين نشير إلى الحقائق الآتية:
1- أن كثيرًا مما وصفه العلماء بالشذوذ ذكروا أنه من قراءة النبيّ صلى الله عليه وسلم، مثل: فمن اتبع هُدَيّ، الحي القَيّام، ومِنْ عِنْدِه علم الكتاب، ما وَدَعك ربك. (?) .
2- أن من أشهر من وصفت قراءتهم بالشذوذ عبد الله بن مسعود، وأبيّ بن كعب، وعلى بن أبي طالب، وكلنا يعرف قيمة هؤلاء في مجال تسجيل القرآن وحفظه. وقد روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من أحب أن يقرأ القرآن غضًّا كما أنزل فليقرأه قراءة ابن أم عبد" (ابن مسعود) ، وفى حديث آخر: "استقرئوا القرآن من أربعة: عبد الله بن مسعود، وسالم مولى أبي حذيفة، ومعاذ بن جبل، وأُبيّ بن كعب" (?) .
3- وأضيف إلى ذلك أن ستة من السبعة يتصل إسنادهم بأُبيّ، وثلاثة منهم يتصل إسنادهم بابن مسعود.