1- أن القراءات القرآنية، وطرق التلاوة للنص القرآني تعد المثال الحي الوحيد لطرق نطق الفصحى قديمًا وحديثًا. وكثيرا ما يحتاج اللغوي عند وصف صوت من الأصوات، أو ظاهرة صوتية معينة إلى الاستهداء بنطق المجيدين من قُرّاء القرآن. أما باقي المصادر اللغوية فقد وردتنا مكتوبة لا منطوقة، وكثيرًا ما أوقعت طريقة الكتابة العربية في التصحيف والتحريف.
2- اشتمال القراءات القرآنية على شواهد لغوية سكتت المعاجم عن ذكرها. وربما كان أظهر مثال لذلك قوله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} (الأنعام: 91) ، من الفعل الثلاثي المخفف. ولكن يشيع في لغة العصر الحديث استخدام كلمة: "التقدير" من الفعل المضعف"قدَّر"، بمعنى عظَّم أو احترم. ونفتش في المعاجم القديمة عن هذا الاستعمال فلا نجد، وتسعفنا القراءات القرآنية فتمدنا بالشاهد، وهو قراءة الحسن وعيسى الثقفي: "وما قدَّروا الله"، قال في الكشاف: وقرئ بالتشديد على معنى: وما عظّموه كنه تعظيمه.
3- أنه يمكن اتخاذ القراءات القرآنية مرتكزًا لتحقيق التيسير، ودليلاً لتصحيح كثير من العبارات والاستعمالات الشائعة الآن، والتي يتحرج المتشددون من استعمالها. ومن أمثلة ذلك:
أ- ضبط الفعل "تَوَفَّى" بالبناء للمعلوم. ورغم أن الاستعمال الفصيح هو بناؤه للمجهول فقد جاءت القراءة القرآنية مصححة للنطق الحديث. وذلك في قوله تعالى: {وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ} (الحج: 5) ، فقد قرأها الأعمش وغيره: "وَمِنْكُمْ مَنْ يَتَوَفَّى"، قال النحاس في "إعرابه القرآن" (?) ، وأبو حيان في "البحر المحيط" (?) : أي يستوفي أجله.