أحمد أمين.. مؤرخ الفكر الإسلامي
(في ذكرى وفاته: 27 من رمضان 1373 هـ)
مصطفى عاشور
أحمد أمين
شهدت مصر في الفترة بين أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، وأوائل القرن العشرين تكون جيل من العلماء الموسوعيين في كافة المجالات، استطاع أن يقود الحياة الثقافية في مصر والعالم العربي ردحا من الزمن، واستطاع أيضا أن ينير الطريق الثقافي للأجيال التي جاءت بعده لتبني على مجهوداته ولتكمل مسيرته.
وقد رأى هذا الجيل أن يقود الناس من خلال الكلمة والفكر قبل السياسة والحكم، ولذلك اهتم اهتماما قل نظيره بتثقيف نفسه، فتعامل مع الينابيع الصافية والأصيلة للحضارة والثقافة العربية والإسلامية، وفي الوقت نفسه تعامل وتفاعل مع الحضارة والثقافة الغربية.
وعندما وصل هذا الجيل الفريد إلى الدرجة العالمية من العلم تلفت حوله، فوجد الناس خواء، فقراء فكريا وعلميا، غير أن عقولهم ما زالت تربة خصبة لزراعة الأفكار؛ لذلك سعى ما وسعه الجهد للنهوض بأمته وأبناء جلدته، فخاطب الناس على كافة الجبهات، وفي شتى الميادين؛ فكان هذا الجيل هو حزب الثقافة والنهوض، فلم تضيعه السياسة في مناوراتها، ووعورة طريقها ولكن السياسة كانت عنده مرادفا للوطنية.
حياة في كلمات
تلك المقدمة هي ملخص حياة هذا الجيل الفريد، وهي تنطبق على كثير من رواده، ومنهم الكاتب الموسوعي "أحمد أمين" الذي بدأ حياته أزهريا، واستطاع بعد محاولات أن يخلع هذا الزي، ثم عمل مدرسا بمدرسة القضاء الشرعي سنوات طويلة، ثم جلس على كرسي القضاء ليحكم بين الناس بالعدل، فصار العدل رسما له إلى جانب رسمه، ثم أصبح أستاذا بالجامعة، فعميدا رغم أنه لا يحمل درجة الدكتوراة!، ثم تركها ليساهم في إنشاء أكبر مجلتين في تاريخ الثقافة العربية هما: "الرسالة"، و"الثقافة"، ثم بدأ رحلة من البحث والتنقيب في الحياة العقلية للعرب، فجاء بعد عناء طويل بـ"فجر الإسلام" و"ضحى الإسلام" و"ظُهر الإسلام".
النشأة والتكوين
وُلد أحمد أمين إبراهيم الطباخ في (2 من محرم 1304هـ= 11 من أكتوبر 1886م) في القاهرة، وكان والده أزهريا مولعا بجمع كتب التفسير والفقه والحديث، واللغة والأدب، بالإضافة إلى ذلك كان يحفظ القرآن الكريم ويعمل في الصباح مدرسا في الأزهر، ومدرسا في مسجد الإمام الشافعي، وإماما للمسجد، كما كان يعمل مصححا بالمطبعة الأميرية؛ فتفتحت عيناه على القرآن الكريم الذي يتلوه أبوه صباح مساء.
واهتم والده به منذ صغره، وساعده في حفظ القرآن الكريم، وفرض عليه برنامجا شاقا في تلقي دروسه وعوده على القراءة والإطلاع، كما كان الأب صارما في تربية ابنه يعاقبه العقاب الشديد على الخطأ اليسير؛ وهو ما جعل الابن خجولا، وعُرف عنه أيضا إيثاره للعزلة، فاتجه إلى الكتب بدلا من الأصحاب؛ فنَمَتْ عقليته على حساب الملكات الأخرى.
ودخل أحمد أمين الكُتَّاب وتنقل في أربعة كتاتيب، ودخل المدرسة الابتدائية، وأعجب بنظامها إلا أن أباه رأى أن يلحقه بالأزهر، ودرس الفقه الحنفي؛ لأنه الفقه الذي يعد للقضاء الشرعي.