1330هـ - 1414هـ
إسمه ونسبه:
هو الشيخ أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن يحيى بن حمد بن يحيى بن حمد بن سليمان بن محمد بن حماد بن حرقوص بن فياض بن عطوي بن زيد فهو رحمه الله من فخذ الحراقيص من بني زيد وبني زيد قبيلة قضاعية من قحطان وكان موطن قبيلة بني زيد شقراء والقويعية والشعراء وغيرها من القرى المجاورة.
لكن جدة الثامن صالح قدم من القويعية في القرن الحادي عشر تقريباً إلى إقليم سدير , واستوطن حوطة سدير بعد أن منحة أمير القارة (صبحا) قارة بني العنبر في ذلك الوقت أرضاً فأحياها وسكنها , وقد ذكر رحمه الله لنا أن والده عبد الرحمن ذكر له الأمر وأراه مكان قصر جده صالح وكان قد تهدم.
مولده ونشأته:
ولد رحمه الله تعالى بحوطة سدير في عام 1330هـ ونشأ في كنف والده رحمه الله , وكان والده رحمه الله يتميز بالكرم والشجاعة ومساعدة الفقير والضعيف مع ما كان في ذلك الوقت من شظف العيش وشدة الفقر , ولقد أكتسب من والده الصفات النبيلة والأخلاق الحميدة والتمسك بأهداب الدين.
وبعد أن شب وقوي عوده رحل لطلب الرزق والعيش فقد رحل إلى الكويت والعراق والأحساء والبحرين وعمان وقطر.
وقد أراد الله له الخير فقد كانت نيته طلب الرزق لكن هيئ الله له الخير عندما بادر بطلب العلم على يد عمه حمد نزيل الكويت ذلك الوقت , وبعدها ألتحق بالمدرسة المباركية المدرسة المشهورة بالكويت في ذلك الزمن.
ورحل إلى الزبير والبصرة والتقى هناك ببعض العلماء وأخذ عنهم خاصة في التاريخ والنسب والشعر.
ورحل إلى البحرين والتقى بالشيخ محمد بن عيسى آل خليفة وأخذ كثيراً في التأريخ والنسب والشعر , فقد كان مرجعاً من مراجع الخليج في هذا الفن , وبعدها رحل إلى قطر وعمان وقابل فيها أدباء وعلماء أخذ عنهم واستفاد منهم.
مع هذا الاهتمام بطلب العلم إلا أنه رحمه الله اشتغل بكثير من الحرف مثل الغوص والبناء والزراعة ليسد حاجته من العيش.
بعد هذه الرحلات رجع إلى الكويت ولبث فيها مدة من الزمن , رجع بعدها إلى بلدة حوطة سدير لتقدم والدة في السن , ولقد استفاد من رجوعه إلى بلدة حوطة سدير حيث أخذ ديوان إبراهيم بن جعيثن مشافهة منه وديوان حميدان الشويعر عن طريق إبراهيم بن جعيثن عن الشاعر المشهور ابن عشبان , وأخذ ديوان سليمان بن مشاري الناصر صاحب الداخلة مشافهة منه.
وبعد أن توفي والدة رحل إلى الرياض والتقى هناك بكثير من العلماء والأدباء والشعراء وأخذ عنهم.
كان رحمه الله تعالى رجلاً تقياً ورعاً آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر متمسكاً بدينه لا يخاف في الله أحداً , وكان رجلاً متواضعاً يهش ويبش حتى مع صغير السن فعندما يرى الصغير يقربه ويقبله ويسأله عن أسمه وأسم أبيه وقد يخبره عن أصله ونسبة ويمازحه.
وأذكر أننا كنا معه في مجلس فدخل أحد الأطفال وكان عمرة تقريباً في سن الثامنة من عمره فقربه وقبله وأجلسه بجانبه وكان هذا الطفل قد فقد والدة , فذكر له مآثر ومحاسن والدة وترحم عليه , ثم ذكره بأن الفتى اليتيم ليس من فقد والدة , ولكن اليتيم يتيم العلم والأدب , وقال ممازحاً: يا بني ليس أنت وحدك الذي فقد والده , فأنا فقدت والدي مع أني صغير , أنظر يا بني لازلت صغير لم تنبت حتى أسناني , وكان قد سقطت أسنانه في ذلك الوقت.
كان كريماً منفقاً ساعياً للخير , فقد كان يدل أهل الجدة والمال على الضعفاء والمساكين وأحياناً يوصل هذه الصدقات والزكاة بنفسه.
كان رحمه الله صبوراً ومثابراً , فقد أصيب بكسر في فخذه وهو في الحج وتضاعف هذا الكسر وتأخر عن الجبر ومع هذا ضل صابراً محتسباً مثابراً على المدارسة والمذاكرة مع من يزوره.
وقد زاول كثيراً من الحرف والمهن في بداية حياته متكففاً زاهداً مما في أيدي الناس رغم صداقته وعلاقته مع أهل الجاه والمال.
وكان رحمه الله مثابراً في طلب العلم مع كبر سنه , أذكر أنني زرته في آخر حياته وقد ضعف بصرة فرأيته يأخذ العدسة المكبرة ويقرأ ويسجل ويدون.
وكان كل من يزوره لابد أن يستفيد فهو يستغل كل المجلس بالمدارسة والمذاكرة إما في التفسير أو التاريخ أو الأدب النافع.
آثاره العلمية وأعماله:
تولى رحمه الله الكثير من المهام والأعمال منها:
1 - تولى التدريس في حي ثليم بالرياض
2 - تولى الوعظ والإرشاد بسجن المصمك.
3 - كاتب ضبط بالمحكمة الكبرى بالرياض.
4 - كاتب في هيئة التمييز بالرياض حتى تقاعد.
أما آثاره العلمية:
1 - مختصر قصص الأنبياء ومعجزة الأتقياء.
2 - الترسيمات السديدة في أخبار التاريخ المفيدة.
3 - الفوائد من خيار القصائد.
4 - لباب الأفكار في غرائب الأشعار
5 - مخزن الفوائد في غرائب القصائد , خمسة أجزاء يحتوي على أكثر من خمسة آلاف صفحة.
والذي يتميز به رحمة الله أنه ليس ناقلاً فقط , وإنما كان رحمة الله ناقداً فاحصاً مرجحاً ولقد استفاد منه كثير ممن كتب في تاريخ الجزيرة , وكان مرجعاً مهماً في أدب الجزيرة العربية وخاصة منطقة نجد , وممن كتب في الشعر الشعبي , وقد تميز رحمه الله أنه قرب وحبب للناس الموروث الشعبي وخاصة في هذا العصر بعد أن كاد الناس يقلبون له ظهر المجن في عصر ثورة الاتصالات والتكنولوجيا.
وكان رحمه الله دقيقاً فيما ينقل من أخبار وما ينشر من أعمال أذكر أني سألته عن حميدان الشويعر وعن صفته وعن صحة ما ينشر عنه من أنه قصير القامة ذميم الخلقة صاحب حيلة فقال رحمه الله: سألت إبراهيم بن جعيثن وقد بلغ المائة من عمره تقريباً فقال لي أدركت الشاعر ابن عشبان وكان عمري في ذلك الوقت ثلاثة أو خمسة عشرة وكان بن عشبان يُحمل بعربته لكبر سنه فذكر عن حميدان الشويعر فقال: أنه كان متوسط القامة عريض المنكبين , كث اللحية , وكان عنده شيء من الفقه , وكان أهل قريته يسألونه في بعض أمور دينهم. أ. هـ
وكان رحمه الله قوي الذاكرة يحفظ كثيراً وربما يحفظ القصيدة من ثلاث مائة بيت فيسردها كلها في مجلس واحد..
جلسنا يوماً معه بعد صلاة العصر في بيت ابنه عبد الله فبدأنا نسأله ويجيب ونطلب منه ذكر القصيدة وأسباب ورودها فيذكرها , ونسأله عن الحدث التاريخي فيذكره ويحلله ويرجح وقد دامت الجلسة حتى بعد صلاة العشاء نصلي ونرجع لا يمل ولا يكل ولم يعد رحمه الله كلاماً ذكره.
كما أنه من المعلوم انه رحمه الله هو المرجع الوحيد في رواية أشعار حميدان الشويعر , وسليمان بن مشاري , وإبراهيم بن جعيثن , وحاضر بن حضير , وعطا الله بن خزيم.
وفاته:
توفي رحمه الله في يوم الأربعاء الموافق 26/5/1414هـ عن عمر يناهز الخامسة والثمانون سنه وصلي عليه يوم الخميس بعد صلاة الظهر في مسجد الراجحي بحي الربوة بالرياض في جمع غفير من المصلين ودفن بحوطة سدير.