قصة حصوله على درجة الدكتوراه
أراد الشيخ علي جابر أن يحصل على الدكتوراه, بعد انقطاع دام سنوات عديدة, واستطاع أن يتقدم بأطروحته في الفقه المقارن لنيل درجة الدكتوراه في رسالته بعنوان (فقه القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق موازناً بفقه أشهر المجتهدين) التي نوقشت في الثاني والعشرين من شهر رمضان المبارك عام 1407هـ وحصل بموجبها على مرتبة الشرف الأولى.
حصل على الدكتوراه من المعهد العالي للقضاء بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض في ثاني أيام العشر الأواخر من شهر رمضان لعام 1407هـ وكانت مناقشته في الرياض مع أنه كان ملتزماً في نفس اليوم بإمامة المصلين بالمسجد الحرام بمكة المكرمة ورغم ذلك لم يغب عن الإمامة فجاء من المطار مباشرة إلى المحراب ليقوم بواجبه.
هذا الرجل استطاع بحبه وإخلاصه للعلم والعمل, أن يجني ثمرة والده -رحمه الله- الذي تمنى أن يصبح أحد أبنائه صاحب علم شرعي, فاستطاع الشيخ بصبره ومثابرته على طلب العلم, أن يحقق أمنية والده حتى بعد وفاته.
وعن ذلك يقول الشيخ علي جابر: (كان والدي -يرحمه الله- لا يسمح لنا بالخروج للعب في الشارع والاحتكاك بالآخرين, حتى توفاه الله, كنت لا أعرف إلا الاتجاه إلى المسجد النبوي ومن ثم الدراسة وأخيرا العودة إلى البيت, لقد كان لوالدي -رحمه الله- دور كبير في تربيتي وتنشئتي وانتقل إلى جوار ربه في نهاية عام 1384هـ وعمري آنذاك لا يتجاوز الأحد عشر عاما ثم تولى رعايتي, من بعده, خالي -رحمه الله- بالمشاركة مع والدتي) .
وفاة والد الشيخ علي جابر وهو في هذه السن المبكرة لم تجعله يتجه في الاتجاه المعاكس, فحفظ القرآن الكريم قبل سن البلوغ, وأتقن الحفظ, فلم يكن يخطئ فيه إلا نادرا, وفي فترات متباعدة وقد قال لي ذات مرة في جلسة جانبية أنه يراجع يوميا جزءين من القرآن غيباً, وزاد ذلك بحرصه على طلب العلم منذ صغره حتى انه تخرج في الجامعة ومن قبلها وبعدها في مرحلتي الماجستير والدكتوراه بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف الأولى, يقول الشيخ علي جابر عن ذلك: إن وجودي في المدينة المنورة ودراستي في دار الحديث والجامعة الإسلامية كان له أكبر الأثر في توجيهي الوجهة السليمة وختمت تلك الوجهة بانضمامي إلى جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية التي عشت فيها فترة هي من أحسن فترات حياتي.
ورغم مثابرة الشيخ علي جابر وجده وإخلاصه في طلب العلم وبُعده عن الراحة والتقاعس, إلا انه يعتبر نفسه لم يفعل شيئا ولم يكن له دور فيه سوى المتابعة, ويتحدث فضيلته عن ذلك بقوله: لا استطيع أن أدّعي لنفسي أنني كنت بنفسي مجردا أقوم بهذا الدور ولكن أقول أن توفيق الله عز وجل هو الذي شجعني وحباني ومنحني هذه المسيرة التعليمية التي اختتمت بالحصول على الدكتوراه وان كانت لم تنته من حيث العلم وإنما انتهت من حيث الناحية الرسمية في الدراسات العليا, ولمشايخنا الذين تتلمذنا عليهم في كلية الشريعة دور كبير في أن يتوجه الإنسان بعد التخرج صوب الدراسات العليا, لان النفس إذا ألفت الراحة وتقاعست بعد الحصول على الإجازة العالية يصعب عليها بعد ذلك مواصلة الدراسات العليا ما لم يكن الطريق موصولا بعضه ببعض, وهذه نصيحة مشايخنا وقد قمنا بها حسب الاستطاعة وقدر الإمكان.
مع القرآن الكريم
لمس الشيخ علي جابر أثر حفظه القرآن الكريم في حياته, وكان فضيلته مدركاً أن الإنسان إذا ركز على تعقل القرآن ومعانيه وتفهمه فإن ذلك يزيده حفظاً وقوة على ما هو عليه, يقول عن ذلك الأثر في نفسه: القرآن ليس المقصود منه التغني وتزيين الصوت به وإنما يجب أن يكون واقعاً عملياً سلوكياً يقوم الإنسان بتطبيقه في واقع حياته كلها) .
ويزداد هذا التأثر بكتاب الله الكريم عندما تحدث بقوله: القرآن الكريم أنزله الله تعالى هداية للعالمين, وأحد مصادر هذه الشريعة الإسلامية, وهو أيضاً شفاء ورحمة للمؤمنين, والذي يقرأ القرآن بتعقل وتدبر وتفهم لمعانيه فلا شك أن ذلك يوصله إلى طريق السعادة والنجاة في الدارين, وقد ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم قوله: (القرآن حجة لك أو عليك) , فهذا الكتاب الكريم إما أن يكون حجة للإنسان من حيث التطبيق العملي لما فيه من أوامر ونواه واما ان يكون حجة عليه عندما يخالف ما ذكر فيه, ولهذا لا يمكن أن نكتفي بحفظه بل لابد من تدبره فقد أنزله الله عز وجل للتدبر كما قال سبحانه: {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب} .
ثم يتحدث فضيلته عن بداية حفظه للقرآن الكريم بقوله: (بدأت حفظ القرآن الكريم في مسجد الأميرة منيرة بنت عبد الرحمن -رحمها الله- ويقع في منطقة باب المجيدي بالمدينة النبوية, وقد بدأت الحفظ على يد شيخين كريمين في المسجد وحفظت على أيديهما أحد عشر جزءاً ثم رشحت بعد ذلك للالتحاق بالمعهد الذي افتتحته الجماعة الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بالمدينة النبوية وكان يديره الشيخ خليل بن عبد الرحمن وهذا الأخير أكملت عليه حفظ باقي كتاب الله عز وجل وكان له دور بارز في تمكيني من الحفظ وإتقان التجويد على أسسه السليمة) .
ورغم ذلك التواضع من الشيخ علي جابر الذي لمسه منه جميع المقربين منه وتأكيده على أن ليس للتغني وتزيين الصوت به إلا أن حلاوة صوته بالقرآن جعلت العديد من الشباب يتأثرون به ويعودون ويتوبون إلى الله بعد سماعهم له سواء من خلال إمامته في المسجد الحرام أو من الأشرطة السمعية لكن الشيخ لا يدعي ذلك لنفسه بقوله: (لا أدعي لنفسي التأثير ولكني أقول إن الصوت الحسن وقراءة القرآن محبرّة له أثر عظيم في نفس الإنسان المسلم, وهذا يتضح من فعل الرسول صلى الله عليه وسلم مع ابن مسعود رضي الله عنه عندما قال له: (اقرأ عليّ) قال: كيف اقرأ وعليك أنزل, قال: (إني أحب أن اسمعه من غيري) فقرأ عليه صدراً من سورة النساء حتى وصل إلى قول الله تعالى: {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً} , بكى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال في ابن مسعود: من أراد أن يقرأ القرآن غضاً طرياً كما أنزل فليقرأ على قراءة ابن أم عبد, فلا شك أن الصوت الحسن والقراءة المحبّرة لها أثر عظيم على السامعين) .