وهذا يناسب أقوال الأئمة الذين ذكرناهم [ينظر الألفاظ لابن السكيت تح قباوة 493، والمقاييس 1/ 470 وتهذيب اللغة واللسان وتاج جلب، وقر 14/ 243]. ولم نأخذ بتأويلهم للشاهد في تشبيه مشي النسور إلى القتيل بـ (مَشى العذارى عليهن الجلابيب) فإن القائلة تشبه النسور في مشيتها إليه من حيث إرخاء أجنحتها على جوانبها بالعذارى اللاتي يجررن جلابيبهن السابغة على أرجلهن وخلفهن. لا من حيث "إنها آمنة لا تعجل "كما قالوا.
هذا وفي قوله تعالى: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} [الأحزاب: 59] يمكن أن يفسر إدناء الجلابيب على أنه كناية عن لزومها لا استبعادها الذي يؤدي إلى التكشف وإلى أن يُوصَفَ بدنُها، ويمكن أن يقصد بها سبوغ الجلابيب على السوق. لكن في [طب التركي 19/ 181] ما خلاصته أن المقصود تغطية ما عدا عينا واحدة. وفي [بحر 7/ 240] عدة أقوال لابن عباس وبعض التابعين تؤيد ما في الطبري. وبعضها يتسق مع معنى الجلباب الذي حررناه، أقْرَبُها ما يؤخذ من قول الكسائي "يتقنعن بملاحفهن منضمة عليهن " (أراد بالانضمام معنى الإدناء) اهـ. والقناع كالخمار فمعنى عبارته أن الجلباب يشمل الرأس مع البدن، وهذا ما يتأتى بالملاءة. لكن ليس في عبارة الكسائي، ولا في ما أسلفنا عن اللغويين من معنى الجلباب ما يصرح أو يقضي بتغطية الوجه عدا عين أو عينين. وهنا ترجع المسألة إلى علم الفقه، وتقوّم الأدلة، ويُتبع ما يقضي به الشرع.
وقوله تعالى: {وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ} [الإسراء: 64] فسر بـ "اجْمَع عليهم وتوعدهم بالشر "وفي [الغريبين 1/ 373] "اجْمع عليهم ما قَدَرْت من جندك ومكائدك "والجمع هنا حشر (نقل طبقة كثيفة) من مواطن وجهات.