ومن الامتلاء بالحدة "الهُجْر- بالضم: القبيح من الكلام، والفُحشُ، والهَذَيان " {مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ (67)} [المؤمنون: 67]. يجتمعون حول البيت بالليل يسمرون، وعامة سمرهم تسمية القرآن سِحرا، وشعرا، وسبّ من أتى به [بحر 6/ 381] فهذا الطعن والسبّ هو الهجر.
ومن الحدة في الأصل "هَجَر الرجلَ: صَرَمه وقَطَعه "أقول ولا يكون ذلك إلا عن حِدّةٍ: غَضَبٍ أو كراهةٍ أو نحو ذلك. ولم ينصوا على هذا القيد، لكن تعبيرهم بالصَرم والقطع، وواقع سَبب الهجرة الشريفة، "والهجير اليبيس وهاجرة النهار "، والاستعمالات القرآنية للهَجر ... ، كل ذلك يقطع بأن الهجر ليس مجرد ترك سلبي وإنما هو عن حِدَّةٍ مُغَاضَبةٍ أو نحوها كما ذكرت. {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} [النساء: 34]، فسِّر الهجر هنا بالنوم في غير فراشهن، وبتوليتهن الظهر في الفراش مع عدم الكلام، وبعدم الجماع [بحر 3/ 251] وعلى الأخير يكون التعبير كناية. وأضيف أنه مع كل من ذلك لا بد من إظهار الغضب ليتبين أنه تعبير عن عتاب أو عقاب. {وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا} [مريم: 46]، هذا هجر إبعادٍ سخطًا. {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5)} [المدثر: 5] اللفظ هنا للتعبير عن وجوب قوة المباعدة وإصحابها نفورا، وقد فسّرنا الرُجْز بالتردد، وأوّلناه بالتواني [ينظر رجز] ومن هذا أيضًا "الِهجرة- بالكسرة: الخروج عن أرض إلى أخرى ليبقى فيها "- (فذلك لا يكون إلا عن معاناة في الأرض الأولى تجعل الحياة شاقة فيُصحَب الخروج منها بِحِدَّة (نفور أو غضب أو اندفاع). {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيهِمْ} [الحشر: 9]. والذي في القرآن من