صلى الله عليه وسلّم بمكة يقول الناس: «قولوا لا إله إلا الله تفلحوا» فكانت دعوته تتركز على توحيد الله ونفي الشرك والإيمان بالجنة والنار والحساب والبعث والنشور، أما الصلاة فقد فرضت في حادثة الإسراء والمعراج في السنة الثالثة عشرة من البعثة على أرجح الأقوال، وأما الصوم فقد فرض في السنة الثانية من الهجرة، وأما الزكاة ففي السنة السادسة من الهجرة، وأما الحج ففي السنة التاسعة من الهجرة وقل ذلك في غيرها من الأحكام كتحريم الخمر والإذن والقتال والجهاد في سبيل الله، فقد كان من أول ما نزل آيات فيها ذكر الجنة والنار ولو قال لهم من أول يوم لا تشربوا الخمر لقالوا: لا ندع الخمر أبدا.
- وهذا مثال عن التدرج في تحريم الخمر:
أ- أول آية نزلت في الخمر: وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً (67) الآية مكية من سورة النحل.
ومعنى ذلك أن الله أنعم عليكم بالأعناب والنخيل فاتخذتم من ثمراتها الخمر وللسكر وذهاب العقل وكان الأولى بكم أن تستفيدوا منها رزقا حسنا بالأكل منها وعدم اتخاذ الخمر وفي هذا إشارة خفية للابتعاد عن الخمر والنفير منها.
ب- ثم نزل قوله تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما [البقرة: 219] فبينت الآية إن إثم الخمر أكبر من نفعه وكذلك الميسر أو القمار، إشارة إلى تركهما لأن العاقل لا يؤثر الضرر على النفع، أما المنافع الموجودة بالخمر فهي مادية بحتة، يبيعونها ويربحون منها ولذلك قرن بين الخمر والميسر ومن المؤكد أن منافع الميسر مادية بحتة ولذلك جمع بينهما.