«ولو أن القرآن كان من الممكن أن يفسر لكان صلّى الله عليه وسلّم أولى الناس بتفسير هذا القرآن لأنه عليه نزل وبه انفعل ولكن رسول الله محمد صلّى الله عليه وسلّم بيّن للناس على قدر حاجتهم في البيان فبين لهم:
الأحكام التكليفية التي يثاب المرء إن فعلها ويعاقب إن تركها. أما كل ما يتعلق بكونيات الوجود وأسرار القرآن حول ذلك الوجود فقد اكتفى رسول الله محمد صلّى الله عليه وسلّم بما علم هو نفسه، واكتفى بأن علّم منها من وجد عنده استشراقا للفهم، ولكنه لم يشع ذلك ولم يعممه لأن العقول لا تقبله، والقرآن لم يأت ليعلمنا كيف نوجد أسرار الوجود وإنما جاء القرآن ليكنز أسرار الوجود حتى تجيء العقول ذوات الاستعداد لأن تفهم السر- لأنها حامت حوله بحركة الحياة- حينئذ يكون عطاء القرآن عطاء مجذوبا إليه، لأن الذي يبحث فيه له نشاط فكري حوله، ولذلك لا نجد أن صحابيا من صحابة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سأله عن شيء كما لم يسأله عن الم (1) [لقمان: 1] ولا عن حم (1) عسق (2) [الشورى: 1 - 2] مع أن الرسول استقبل أناسا كثيرين يؤمنون بكتاب الله، واستقبل أناسا كثيرين يكفرون بما أنزل الله وكانوا يريدون أن يقيموا الحجة على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في أنه أتى بشيء غراب «كلام مجانين».
فهل سمعنا أن كافرا من الكفار العتاة قال للقوم وهم بلغاء فصحاء يجيدون العربية ملكة لا صناعة؟
هل سمعنا أن واحدا من الكفار قال: ماذا يعني حم وماذا تعني حم عسق؟
كيف يمر على المكابر المنكر مثل هذه الفواتح للسور ولا يجد فيها ما ينقض على رسول الله محمد صلّى الله عليه وسلّم شيئا من أمره؟.