استعرض ابن جرير رأي المثبتين لنزولها والمنكرين، ثم انتهى إلى تقرير موقفه3 وهو: "والصواب من القول عندنا في ذلك أن يقال: إن الله - تعالى ذكره - أنزل المائدة على الذين سألوا عيسى مسألته ذلك ربه؛ وإنما قلنا ذلك للخبر الذي روينا بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وأهل التأويل من بعدهم، غير من انفرد بما ذكرنا عنه.
وبعد؛ فإن الله - تعالى ذكره - لا يخلف وعده، ولا يقع في خبره الخلف، وقد قال - تعالى ذكره - مخبرا في كتابه عن إجابة نبيه عيسى صلى الله عليه وسلم حين سأله ما سأله من ذلك: {إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَليْكُمْ} ، وغير جائز أن يقول تعالى ذكره: {إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَليْكُمْ} ثم لا ينزلها؛ لأن ذلك منه - تعالى ذكره - خبر، ولا يكون منه خلاف ما يخبر، ولو جاز أن يقول: {إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَليْكُمْ} ثم لا ينزلها عليهم جاز أن يقول: {فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ العَالمِينَ} ، ثم يكفر منهم بعد ذلك فلا يعذبه، فلا يكون لوعده ولا لوعيده حقيقة ولا صحة، وغير جائز أن يوصف ربنا تعالى ذكره بذلك" ا?.