بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله مفني الأمم، وباعث الرِّمم1، وواهب الحكم، ذي البقاء والقِدَم2، الذي لا مطمع في إدراكه لثواقب الأذهان3 ونوافذ الهمم. أحمده على ما علم وألهم، وسوغ وأنعم. وصلى الله على كاشف الظلم، ورافع التهم، وموضح الطريق الأَمَم4، المخصوص بجوامع الكَلِم5، والمبتعث إلى جميع العرب والعجم، وعلى آله وصحبه أهل الفضل والكرم، وسلم عليه وعليهم وشرف وعظم.
وبعد -أيها السيد الذي توالت علي نعمه، وأخذ بضَبْعي6 من حَضِيضَي الفقر والخمول اعتناؤه وكرمه، وقضى إحسانه إليَّ ومحبته التي جُبلت7 عليها بأن ألتزم من بره وطاعته ما أنا ملتزمه- فإنك سألتني -بوأك الله أعلى الرتب، كما عمر بك أندية الأدب، ومنحك من سعادتي الدنيا والآخرة أوفر القِسَم8، كما جمع لك فضيلتي التدبير والقلم- إملاء أوراق تشتمل على بعض أخبار المغرب وهيئته وحدود أقطاره، وشيء من سير ملوكه، وخصوصًا ملوك المصامدة بني عبد المؤمن، من لَدُن ابتداء دولتهم إلى وقتنا هذا -وهو سنة 621- وأن ينضاف إلى ذلك نبذة من ذكر من لقيتُه، أو لقيتُ من لقيه، أو رويتُ عنه، بوجه ما من وجوه الرواية، من الشعراء والعلماء وأنواع أهل الفضل؛ فلم أر بُدًّا من إسعافك والمسارعة إلى ما فيه رضاك؛ إذ هي الغاية التي أجري إليها، والبغية التي أثابر أبدًا عليها؛ ولوجوب طاعتك عليَّ من وجوه يكثر تعدادها؛ فاستخرت الله عز وجل فيما ندبتني9 إليه، واستعنته واعتمدت في كل ذلك عليه؛ فهو الموئل والملجأ،