أَقْصِرْ فما دين الهوى كفر ولا ... أعتدُّ لومك لي من التنزيلِ1
عجبًا لقوم لم تكن أذهانهمْ ... لهوًى ولا أجسادهم لنُحُولِ
دقت معاني الحب عن أفهامهمْ ... فتأولوه أقبح التأويلِ2
في أي جارحةٍ أصون معذبي ... سلِمتْ من التعذيب والتنكيلِ3
إن قلت في عينى فثَمَّ مدامعي ... أو قلت في قلبي فثم غليلِي4
لكن جعلت له المسامعَ موضعًا ... وحجبتُها عن عَذْلِ كل عذولِ
هذا ما بقي في حفظي منها. وكان أبو عمر هذا من مقدمي شعراء الحكم المستنصر، وكان مختصًّا بأبي الحسن المُصْحَفي5، منضويًا إليه؛ وهو الذي حمله على هجو محمد بن أبي عامر6، فلما أفضى الأمر إلى محمد قبض على المصحفي واستصفى أمواله ووضعه في المُطْبِق، فلم يزل به حتى مات جوعًا وهزالًا. وأما ما كان من أبي عمر الشاعر فإنه أوسعه عقوبة ونكالًا، وأمر بتغريبه7، فشفع له عنده في أن يتركه ببلده، فأذن في ذلك، غير أنه خرج الأمر من جهته ألا يكلمه أحد من العامة ولا من الخاصة؛ أمر مناديه أن ينادَى بذلك في جميع جهات قرطبة. فأقام أبو عمر هذا كالميت إلى أن مات موتة الوفاة في آخر أيام أبي عامر.
وكان لحكم المستنصر مواصلًا لغزو الروم ومن خالفه من المحاربين، فاتصلت ولايته إلى أن مات في صفر سنة 366، فكانت مدة ولايته منذ بُويع له إلى أن مات ست عشرة سنة وأشهرًا؛ وانقرض عقبه بعد موت ابنه هشام المؤيد، لم يعش له ولد غيره.