فأما جزيرة الأندلس فهي المعروفة في قديم الزمان عند الروم بجزيرة أشبانية، وقد تقدم ذكر حدودها في صدر هذا الكتاب فأغنى ذلك عن إعادته ههنا. وكان دين أهلها في الدهر القديم دين الصابئة من عبادة الكواكب واستنزال قواها والتقرب إليها بأنواع القرابين؛ شهدت بذلك طِلَسْماتٌ وجدت بها وضعتها القدماء من أهلها؛ ثم انتقل أهلها إلى دين النصرانية حين ظهر على أيدي أصحاب المسيح -عليه السلام-.
وكانت هذه الجزيرة -أعني الأندلس- منتظمة في مملكة صاحب رومة، يستعمل عليها من شاء من أصحابه؛ فلم تزل كذلك والروم يملكونها -وقاعدة ملكهم منها مدينة تسمى طالقة، على فرسخين من إشبيلية، وهي مدينة عظيمة باقٍ أثرها إلى هذا اليوم- إلى أن غلبهم عليها القوطا، وهي قبيلة من قبائل الإفرنج، فأخرجوهم عن الجزيرة وألحقوهم برومية مدينتهم العظمى.
وانفرد القوطا هؤلاء بمملكة الجزيرة، فملكوها أضخم ملك، قريبًا من ثلاثمائة سنة، وكانت دار ملك القوطا، مدينة طليطلة؛ وهي في قريب من وسط الجزيرة، فلم يزالوا بها وطليطلة دار ملكهم -كما ذكرنا- إلى أن افتتحها المسلمون في شهر رمضان من سنة 92 من الهجرة، على ما تقدم في صدر الكتاب.
فلما افتتحها المسلمون تخيروا قرطبة دار ملكهم ومقر تدبيرهم وموضع حلهم وعَقْدهم؛ فلم تزل قرطبة على ذلك إلى أن انتشرت الفتنة واضطرب أمر بني أمية بالأندلس بموت الحكم المستنصر وتغلب أبي عامر محمد بن أبي عامر وابنه, على هشام المؤيد بن الحكم المستنصر حسبما تقدم في صدر هذا الكتاب.
فهذا تلخيص أخبار جزيرة الأندلس.
مجاز الأندلس
وأنا ذاكر إن شاء الله أول ما يلقاه من يعبر إليها من حدودها ومدنها، فأول ذلك أني أقول: