شأن القيروان في قديم الزمان
وفيما بين مدينة تونس وتوزر، مدينة القيروان المشهورة؛ منها إلى الساحل ثلاث مراحل؛ وهي كانت -أعني القيروان- دار ملك المسلمين بإفريقية منذ الفتح؛ لم يزل الخلفاء من بني أمية وبني العباس يولون عليها الأمراء من قِبَلهم، إلى أن اضطرب أمر بني العباس واستبدَّ الأغالبة بملك إفريقية بعض الاستبداد وهم بنو أَغْلَبَ بن محمد بن إبراهيم بن أغلب التميميون؛ فاتخذوا القيروان دار ملكهم؛ فلم يزالوا بها إلى أن أخرجهم عنها بنو عبيد وملكوها أيام كونهم بإفريقية؛ ثم ولوا عليها حين ارتحلوا إلى مصر زيري بن مناد الصنهاجي1، فلم يزل زيري وبنوه ملوكًا عليها، إلى أن كان آخرهم الذي أخرجه العرب عنها، تميم بن المعز بن باديس بن منصور بن بُلُجَّين بن زيري بن مَنَاد المذكور؛ فانتهبتها الأعراب وخربتها، فهي كذلك خراب إلى اليوم، فيها عمارة قليلة يسكنها الفلاحون وأرباب البادية.
وكانت القيروان هذه في قديم الزمان -منذ الفتح إلى أن خربتها الأعراب- دار العلم بالمغرب؛ إليها ينسب أكابر علمائه، وإليها كانت رحلة أهله في طلب العلم. وقد ألف الناس في أخبار القيروان ومناقبه وذكر علمائه ومن كان به من الزهاد والصالحين والفضلاء المتبتلين، كتبًا مشهورة؛ ككتاب أبي محمد بن عفيف، وكتاب ابن زيادة الله الطُّبْني2، وغيرهما من الكتب. فلما استولى عليها الخراب -كما ذكرنا- تفرق أهلها في كل وجه؛ فمنهم من قصد بلاد مصر، ومنهم من قصد صقلية والأندلس. وقصدت منهم طائفة عظيمة أقصى المغرب، فنزلوا مدينة فاس، فعقبهم بها إلى اليوم.
فهذه نبذة من أخبار إفريقية، وفيها مدن كثيرة قد خربت لا أعرف أسماءها؛ لقلة معرفتي بتفاصيل أحوال إفريقية؛ لأني لم أدخل منها إلا مدينة تونس خاصة، أتيتها في البحر من الأندلس، وذلك سنة 614؛ وإنما نقلت ما نقلته من أخبارها حسب المستفيض من السماع.