ثم عزله وولى أبا عبد الله محمد بن مروان الذي كان أبوه قد عزله؛ فلم يزل قاضيًا إلى أن مات.
وولى بعده رجلًا من أهل مدينة فاس، اسمه محمد بن عبد الله بن طاهر، يدعي أنه من ولد الحسين بن علي بن أبي طالب1. كان قبل اتصاله بهم ينتحل طريقة الوعظ ويتصوف، لم يزل هذا دأبه ولا برح معروفًا به. وكان له مع هذا حظ جيد من معرفة أصول الفقه وأصول الدين وشيء من الخلاف. اتصل بأمير المؤمنين أبي يوسف شهور سنة 587، فحظي عنده وكانت له منه منزلة. سمعت أبا عبد الله الحسيني هذا يقول وأنا عنده في بيته: جملة ما وصل إلي من أمير المؤمنين أبي يوسف منذ عرفته إلى أن مات، تسعة عشر ألف دينار، خارجًا عن الخلع والمراكب والأقطاع.
لم يزل أبو عبد الله هذا قاضيًا إلى أن مات بالأندلس في شهور سنة 608، وكانت ولايته في شهور سنة 601.
ثم ولى بعده أبا عمران موسى بن عيسى بن عمران؛ كان أبوه من قضاة أبي يعقوب؛ فاستمرت ولاية أبي عمران هذا إلى هذا الوقت -وهو سنة 621- لم يبلغني عزله ولا وفاته. وأبو عمران هذا لي صديق، لم أر صديقًا لم تغيره الولاية غيره، ولم يزل يعاملني بما كان يعاملني به قبل ذلك، لم ينقصني شيئًا من بره. ما لقيته قط في مركبه إلا سلم علي مبتدئًا وجدد لي برًّا؛ جزاه الله عني أفضل الجزاء، وعم بذلك سائر إخواني!.
أعمال أبي عبد الله بن أبي يوسف
ولما تمت بيعة أبي عبد الله العامة كما ذكرنا -وكان الذي تولاها وقام بأمرها من القرابة: أبو زيد عبد الرحمن بن عمر بن عبد المؤمن، وهو الذي قام ببيعة أبيه؛ ومن الموحدين: أبو زيد عبد الرحمن بن موسى وزير أبيه، وأبو محمد عبد الواحد ابن الشيخ أبي حفص -وهو الذي ولاه محمد بعد هذا أمر إفريقية- كان أول شيء شرع فيه تجهيز الجيوش إلى إفريقية؛ وذلك أن يحيى بن إسحاق بن غانية المتقدم الذكر، كان استولى على أكثر بلادها أيام اشتغل الموحدون عنه بغزو الروم؛ فأول جيش جهز أبو عبد الله من الموحدين، الجيش الذي استعمل عليه السيد أبا الحسن علي بن عمر بن عبد المؤمن؛ لم أر لهم جيشًا أضخم منه ولا أكثر منه سلاحًا ولا