وفي هذه السنة دخل عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان الأندلس، الملقب بالداخل؛ فقامت معه اليمانية، وحارب يوسف بن عبد الرحمن بن أبي عَبْدَة بن عقبة بن نافع الفهري الوالي على الأندلس المذكور آنفًا، فهزمه؛ واستولى عبد الرحمن على قرطبة دار الملك، وكان دخوله إياها يوم الأضحى من السنة المذكورة، فاتصلت ولايته إلى أن مات سنة 172.
وكان مولده بالشام سنة 113، أمه أم ولد اسمها: راح، ويكنى أبا المطرف. دخل الأندلس في ذي القعدة، واستولى على قرطبة دار ملكها في التاريخ المذكور؛ وذلك أنه هرب من الشام لما انتشرت دولة بنى العباس، فلم يزل مستترًا ينتقل في بلاد المغرب حتى دخل الأندلس، ودخل حين دخلها طريدًا وحيدًا لا أهل له ولا مال، فلم يزل يُصرِّف حيله ويسمو بهمته والقَدَر مع ذلك يوافقه، إلى أن احتوى على ملكها، وملك بعض بلاد العُدوة. وكان أبو جعفر المنصور1 إذا ذكر عنده قال: "ذاك صقر قريش".
وكان عبد الرحمن بن معاوية من أهل العلم، وعلى سيرة جميلة من العدل؛ ومن قضاته معاوية بن صالح الحضرمي الحِمْصي2، وله أدب وشعر. ومما أنشد، وقاله يتشوق إلى معاهده بالشام، قوله: من الخفيف
أيها الراكب المُيَمِّمُ أرضِي ... أَقْرِ من بعضي السلام لبعضِي3