وعُميًا لا تبصرون، لا تعرفون معروفًا، ولا تنكرون منكرًا، قد فشت فيكم البدع1، واستهوتكم الأباطيل، وزين لكم الشيطان أضاليل وتُرَّهات أُنزه لساني عن النطق بها، وأربأ2 بلفظي عن ذكرها؛ فهداكم الله به بعد الضلالة، وبصركم بعد العمى، وجمعكم بعد الفرقة، وأعزكم بعد الذِّلَّة، ورفع عنكم سلطان هؤلاء المارقين3، وسيورثكم أرضهم وديارهم؛ ذلك بما كسبته أيديهم، وأضمرته قلوبهم؛ وما ربك بظلام للعبيد؛ فجددوا لله سبحانه خالص نياتكم، وأروه من الشكر قولًا وفعلًا ما يزكي به سعيكم، ويتقبل أعمالكم، وينشر أمركم. واحذروا الفرقة واختلاف الكلمة وشتات الآراء، وكونوا يدًا واحدة على عدوكم؛ فإنكم إن فعلتم ذلك هابكم الناس, وأسرعوا إلى طاعتكم, وكثر أتباعكم, وأظهر الله الحق على أيديكم. وإلا تفعلوا شَمِلكم الذل وعمكم الصَّغار4, واحتقرتكم العامة، فتخطفتكم5 الخاصة. وعليكم في جميع أموركم بمزج الرأفة بالغلظة، واللين بالعنف؛ واعلموا مع هذا أنه لا يصلح أمر آخر هذه الأمة إلا على الذي صلُح عليه أمر أولها، وقد اخترنا لكم رجلًا منكم، وجعلناه أميرًا عليكم؛ هذا بعد أن بلوناه6 في جميع أحواله، من ليله ونهاره، ومدخله ومخرجه، واختبرنا سريرته وعلانيته، فرأيناه في ذلك كله ثَبْتًا في دينه، متبصرًا في أمره، وإني لأرجو ألا يخلف الظن فيه. وهذا المشار إليه هو عبد المؤمن؛ فاسمعوا له وأطيعوا ما دام سامعًا مطيعًا لربه، فإن بدل أو نَكَص7 على عقبه أو ارتاب في أمره، ففي الموحدين - أعزهم الله- بركة وخير كثير، والأمر أمر الله يقلده من شاء من عباده.
فبايع القوم عبد المؤمن، ودعا لهم ابن تومرت، ومسح وجوههم وصدورهم واحدًا واحدًا؛ فهذا سبب إمرة عبد المؤمن -رحمه الله-. ثم توفي ابن تومرت بعد عهده بيسير، واجتمع أمر المصامدة على عبد المؤمن.