ويغدون للدجال يغزونه ضُحًى ... يذيقونه حد الحُسام المهندِ1
ويقتله في باب لُدٍّ وتنجلي ... شكوك أمالت قلب من لم يوحِّدِ2
وينزل عيسى فيهم وأميرهم ... إمام فيدعوهم لمحراب مسجدِ
يصلي بهم ذاك الأمير صلاتهمْ ... بتقديم عيسى المصطفى عن تعمدِ
فيمسح بالكفين منه وجوههم ... ويخبرهم حقًّا بعز مجددِ
وما إن يزال الأمر فيه وفيهمُ ... إلى آخر الدهر الطويل المُسرْمَدِ3
فأبلغ أمير المؤمنين تحية ... على النأي مني, والوداد المؤكدِ
عليه سلام الله ما ذَرَّ شارق ... وما صدر الوُرَّاد عن وِرْد موردِ4
وقد قيل: إن منشئ هذه القصيدة لم يحضر ذلك المشهد ولم ينشدها بنفسه؛ منعته عن ذلك الكُبرة وبعد الشُّقَّة؛ وإنما أرسل بها فأنشدت على قبر الإمام. وكان عمله إياها وعبد المؤمن حي؛ فالله أعلم. وهي طويلة، هذا ما اخترت له منها، ولم أوردها في هذا الموضع؛ لأنها من مختار الشعر، ولكن لموافقتها الفصل الذي قبلها.
ولم تزل طاعة المصامدة لابن تومرت تكثر، وفتنتهم به تشتد، وتعظيمهم له يتأكد، إلى أن بلغوا في ذلك إلى حد لو أمر أحدهم بقتل أبيه أو أخيه أو ابنه لبادر إلى ذلك من غير إبطاء. وأعانهم على ذلك وهونه عليهم ما في طباعهم من خفة سفك الدماء عليهم. وهذا أمر جُبلت عليه فطرهم واقتضاه ميل إقليمهم.
حكى أبو عبيد البكري الأندلسي5 ثم القرطبي في كتابه الموسوم بـ المسالك والممالك عن رجال، قال: أهديث إلى الإسكندر فرس ببعض بلاد الغرب لم تلد الخيل أسبق منها، لم يكن فيها عيب إلا أنها لم يسمع لها صهيل قط؛ فلما حل الإسكندر في تطوافه بجبال دَرَن، وهي بلاد المصامدة، وشربت تلك الفرس من مياهها، صهلت صهلة اصطكت منها الجبال؛ فكتب الإسكندر إلى الحكيم يخبره بذلك, فكتب إليه: إنها بلاد شر وقسوة، فعجِّل الخروج منها!.