في نفوسهم فضيلة المهدي ونسبه ونعته، ادعى ذلك لنفسه، وقال: أنا محمد بن عبد الله ... ورفع نسبه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ وصرح بدعوى العصمة لنفسه، وأنه المهدي المعصوم. وروى في ذلك أحاديث كثيرة، حتى استقر عندهم أنه المهدي، وبسط يده فبايعوه على ذلك، وقال: أبايعكم على ما بايع عليه أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رسول الله.
ثم صنف لهم تصانيف في العلم، منها كتاب سماه: أعز ما يطلب، وعقائد في أصول الدين، وكان على مذهب أبي الحسن الأشعري1 في أكثر المسائل، إلا في إثبات الصفات، فإنه وافق المعتزلة في نفيها وفي مسائل قليلة غيرها. وكان يبطن شيئًا من التشيع، غير أنه لم يظهر منه إلى العامة شيء.
طبقات الموحدين
وصنف أصحابه طبقات؛ فجعل منهم العشرة، وهم المهاجرون الأولون الذين أسرعوا إلى إجابته، وهم المسمون بـ الجماعة, وجعل منهم الخمسين، وهم الطبقة الثانية. وهذه الطبقات لا تجمعها قبيلة واحدة، بل هم من قبائل شتى، وكان يسميهم المؤمنين، ويقول لهم: ما على وجه الأرض من يؤمن إيمانكم. وأنتم العصابة المعنيون بقوله عليه الصلاة والسلام: "لا تزال طائفة بالمغرب ظاهرين على الحق, لا يضرهم من خذلهم, حتى يأتي أمر الله"، وأنتم الذين يفتح الله بكم فارس والروم، ويقتل الدجال، ومنكم الأمير الذي يصلي بعيسى ابن مريم، ولا يزال الأمر فيكم إلى قيام الساعة. هذا مع جزئيات كان يخبرهم بها وقع أكثرها، وكان يقول: لو شئت أن أعد خلفاءكم خليفة خليفة ...
فزادت فتنة القوم به، وأظهروا له شدة الطاعة.
وقد نظم هذا الذي وصفناه من قول ابن تومرت في تخليد هذا الأمر، رجل من أهل الجزائر -مدينة من أعمال بجاية- وفد على أمير المؤمنين أبي يعقوب وهو بتينمل؛ فقام على قبر ابن تومرت بمحضر من الموحدين وأنشد قصيدة أولها: من الطويل
سلام على قبر الإمام الممجد ... سلالة خير العالمين محمدِ