حمدين قاضي قرطبة، وهو كان المقصود بهذه الأبيات؛ ثم هجاه بعد هذا صريحُا بأبيات أولها: من المتقارب
أدجالُ, هذا أوان الخروج ... ويا شمس لُوحي من المغربِ1
يريد ابن حَمْدين أن يعتفي ... وجدواه أنأى من الكوكبِ2
إذا سُئل العُرْف حك استه ... ليُثبت دعواه في تغلبِ3
في أمثال لهذه الأبيات. وكان القاضي أبو عبد الله بن حمدين ينتسب إلى تغلب ابنة وائل.
ولم يكن يقرب من أمير المسلمين ويحظى عنده إلا من عَلِم عِلْم الفروع، أعني: فروع مذهب مالك، فنفقت في ذلك الزمان كتب المذهب، وعمل بمقتضاها ونبذ ما سواها. وكثر ذلك حتى نُسي النظر في كتاب الله, وحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-, فلم يكن أحد من مشاهير أهل ذلك الزمان يعتني بهما كل الاعتناء. ودان أهل ذلك الزمان بتكفير كل من ظهر منه الخوض في شيء من علوم الكلام. وقرر الفقهاء عند أمير المسلمين تقبيح علم الكلام وكراهة السلف له وهجرهم من ظهر عليه شيء منه، وأنه بدعة في الدين، وربما أدى أكثره إلى اختلاف في العقائد، في أشباه لهذه الأقوال، حتى استحكم في نفسه بُغْض علم الكلام وأهله، فكان يُكتب عنه في كل وقت إلى البلاد بالتشديد في نبذ الخوض في شيء منه، وتوعد من وجد عنده شيء من كتبه. ولما دخلت كتب أبي حامد الغزالي4 -رحمه الله- المغرب، أمر أمير المسلمين بإحراقها، وتقدم بالوعيد الشديد -من سفك الدم واستئصال المال- إلى من وُجد عنده شيء منها؛ واشتد الأمر في ذلك.