إليه صاحب الجزيرة الخضراء وأعمالها بابنته على الرسم المذكور، فكانت عنده إلى أن بلغت مبلغ النساء، فرآها يومًا فأعجبته، فدعاها فأبت عليه، وقالت: لا والله حتى تُحضر الملوك والقواد وأعيان البطارقة وتتزوجني، هذا بعد مشورة أبي! فغلبته نفسه واغتصبها على نفسها، فكتبت إلى أبيها تعلمه بذلك، فهذا كان السبب الذي بعثه على مكاتبة طارق والمسلمين، فكان الفتح، فالله أعلم أي ذلك كان.
فأول موضع نزله فيما يقال منها: المدينة المعروفة بالجزيرة الخضراء اليوم، نزلها قبيل الفجر، فصلى بها الصبح بموضع منها وعقد الرايات لأصحابه، فبُني بعد ذلك هناك مسجد، عُرف بمسجد الرايات، وهو باقٍ إلى وقتنا هذا، أسأل الله إبقاءه إلى أن تقوم الساعة ...
ثم دخل طارق هذا الأندلس وأمعن فيها واستظهر1 على العدو بها، وكتب إلى موسى بن نصير موليه بخبر الفتح وغلبته على ما غلب عليه من بلاد الأندلس وما حصل له من الغنائم، فحسده موسى على الانفراد بذلك، وكتب إلى الوليد بن عبد الملك بن مروان2 يعلمه بالفتح وينسبه إلى نفسه، وكتب إلى طارق يتوعده، إذ دخلها بغير إذنه، ويأمره ألا يتجاوز مكانه الذي ينتهي إليه الكتاب فيه حتى يلحق به، وخرج متوجهًا إلى الأندلس، واستخلف على القيروان ابنه عبد الله، وذلك في رجب من سنة 93. وخرج معه حبيب بن أبي عبدة الفهري3 ووجوه العرب والموالي وعرفاء البربر في عسكر ضخم، ووصل من جهة المجاز إلى الأندلس وقد استولى طارق على قرطبة دار المملكة، وقتل لذريق الملك-لعنه الله- بالأندلس، فتلقاه طارق وترضاه، ورام أن يستلَّ ما في نفسه من الحسد له، وقال له: إنما أنا مولاك ومن قِبلك، وهذا الفتح لك وبسببك؛ وحمل طارق إليه ما كان غنم من الأموال, فلذلك نُسب الفتح إلى موسى بن نصير؛ لأن طارقًا من قِبله، ولأنه أتم من الفتح ما كان بقي على موسى.
وأقام موسى بالأندلس مجاهدًا وجامعًا للأموال ومرتبًا للأمور بقية سنة 93 وسنة 94 وأشهرًا من سنة خمس، وقبض على طارق، ثم استخلف على الأندلس ابنه عبد العزيز بن موسى4، وترك معه من العساكر ووجوه القبائل من يقوم بحماية البلاد