الهلع1، يقطعون السبل سياحة، ويعبرون النهر سباحة، ويتولجون2 مجاري الأقذار، ويترامون من شرفات الأسوار، حرصًا على الحياة. والموفون بالعهد، المقيمون على صريح الود، ثابتون؛ إلى أن كان يوم الأحد لإحدى وعشرين ليلة خلت من رجب من السنة المذكورة، وهذا يوم الكائنة العظمى، والطامة الكبرى3، فيه حُمَّ4 الأمر الواقع، واتسع الخَرْق5 على الراقع، ودُخل البلد من واديه، وأصيب حاضره وباديه، بعد أن جد الفريقان في القتال، واجتهدت الفئتان في النزال، وظهر من دفاع المعتمد -رحمه الله- وبأسه، وتراميه على الموت بنفسه، ما لا مزيد عليه، ولا تناهيَ لخَلْقٍ إليه، وفي ذلك يقول المعتمد بعد ما نزل بالعدوة أسيرًا حسيرًا6: من مجزوء الكامل
لما تماسكت الدموعْ ... وتَنَهْنَه القلب الصَّديعْ7
قالوا: الخضوع سياسةٌ ... فليبدُ منك لهم خضوعْ
وألذ من طعم الخضو ... ع على فمي السم النَّقيعْ8
إن تستلب عنى الدُّنَا ... ملكي وتسلمني الجموعْ9
فالقلب بين ضلوعه ... لم تُسلم القلبَ الضلوعْ
لم أُستلب شرف الطبا ... ع أيُسلب الشرفُ الرفيعْ
قد رُمْتُ يوم نِزالهم ... ألا تُحصِّنني الدروعْ10
وبرزت ليس سوى القميـ ... ـص عن الحشا شيء دَفُوعْ
وبذلت نفسي كي تسيـ ... ـل إذا يسيل بها النَّجِيعْ11
أجلي تأخر، لم يكن ... بهواي ذلي والخشوعْ