مِنْهَا أَن يجمع القائسون على أَن الأَصْل مُعَلل بعلل محصورة لَا يجوز الزِّيَادَة عَلَيْهَا وتفسد جَمِيعهَا إِلَّا وَاحِدَة مِنْهَا فنعلم أَنَّهَا هِيَ الْعلَّة لِأَنَّهَا لَو لم تكن هِيَ الْعلَّة انْتقض القَوْل بِأَن الْعلَّة لَا تخرج عَن تِلْكَ الْأَوْصَاف الْمَذْكُورَة
وَمِنْهَا أَن يكون الحكم يُوجد بوجودها فِي الأَصْل ويرتفع بارتفاعها إِلَّا أَن يخلفها على أُخْرَى وَقد شَرط فِي ذَلِك أَن لَا يكون هُنَاكَ وصف آخر لَهُ تَأْثِير فِي الأَصْل هُوَ مِنْهَا بِأَن يكون عِلّة وَالَّذِي يبين أَن هَذَا الْوَجْه يدل على صِحَة الْعلَّة أَن الحكم إِذا وجد بِوُجُود الْعلَّة فِي الأَصْل وارتفع بارتفاعها غلب على الظَّن أَنَّهَا مُؤثرَة فِيهَا وَلم يجز أَن يكون تجويزها تأثيرها فِيهِ وتجويز كَونهَا غير مُؤثرَة فِيهِ على سَوَاء لَا مزية لأَحَدهمَا على الآخر لِأَن وجود الحكم بوجودها وارتفاعه بارتفاعها يَقْتَضِي لَا محَالة أَن يكون الحكم بِتِلْكَ الْعلَّة أخص
وَمِنْهَا أَن يكون الْعلَّة لَهَا تاثير فِي قبيل ذَلِك الحكم وجنسه فيغلب على الظَّن أَن كَونهَا عِلّة فِيهِ أولى من غَيرهَا مِثَال ذَلِك كَون الْبلُوغ عِلّة فِي رفع الْحجر فِي النِّكَاح لِأَن للبلوغ تَأْثِيرا فِي رفع جنس الْحجر وقبيله فَكَانَ أولى من الثيوبة فِي رفع حجر النِّكَاح يبين مَا ذكرنَا أَن الْحجر إِنَّمَا يثبت لغَرَض قد علمناه وَهُوَ نُقْصَان الْعقل المخل بِمَعْرِِفَة مصَالح الْإِنْسَان فِي تصرفه الْمُقْتَضِي لقلَّة الْخِبْرَة بالامور فاذا كَانَ هَذَا هُوَ الْمُثبت للحجر وَكَانَ هَذَا الْمَعْنى منفيا بِالْبُلُوغِ ظهر أَن الْبلُوغ يجب أَن يكون عِلّة زَوَال ذَلِك إِلَّا أَن يثبت أَن النِّكَاح يخْتَص بِمَعْنى آخر يحصل بِهِ الْخِبْرَة نَحْو الثيوبة الَّتِي يذكرهَا الشَّافِعِي فَينْظر فِي ذَلِك فَكل حكم يثبت لغَرَض من الْأَغْرَاض فَإنَّا نعلم أَن زَوَال ذَلِك الْغَرَض إِلَى خِلَافه يَقْتَضِي زَوَال ذَلِك الحكم إِلَّا أَن يخلف ذَلِك الْغَرَض غَرَض آخر سِيمَا إِن شهِدت الاصول بذلك كَمَا ذَكرْنَاهُ من زَوَال الْحجر عَن المَال بِالْبُلُوغِ
وَقد اسْتدلَّ قوم على صِحَة الْعلَّة بِوُجُوه أخر
مِنْهَا قَوْلهم إِنَّهَا قد سلمت من وُجُوه الْفساد وَيُقَال على ذَلِك إِن عددتم