الْمُنكر أَو للْجِنْس دون الِاسْتِغْرَاق وَلَيْسَ لَام الْجِنْس مَوْضُوعَة للْأَكْثَر وَلَا يجوز أَن يُرَاد بذلك الْوَصْف لَهُم بِأَنَّهُم فِيمَا مضى كَانُوا يأمرون بِالْمَعْرُوفِ وَينْهَوْنَ عَن الْمُنكر لِأَن الْكَلَام مدح لَهُم فِي الْحَال فَلَا يجوز أَن يُفِيد تقدم كَونهم على خِصَال الْمَدْح وَلَا يُفِيد حصولهم الْآن على خِصَال الْمَدْح لِأَن الْإِنْسَان لَا يكون مُسْتَحقّا للمدح بِمَا فعله من قبل إِذا عدل عَنهُ إِلَى ضِدّه وخلافه حَتَّى يكون ناهيا عَن الْمُنكر ثمَّ يصير آمرا بالمنكرات فاذا ثَبت أَنهم ينهون عَن كل مُنكر فِي كل حَال إِلَّا مَا خرج بِدَلِيل فَلَو أَجمعُوا على خطأ لكانوا قد أَجمعُوا على مُنكر وَلَو أَجمعُوا عَلَيْهِ لكانوا غير ناهين عَنهُ
دَلِيل آخر قَول الله عز وَجل {وَمن يُشَاقق الرَّسُول من بعد مَا تبين لَهُ الْهدى وَيتبع غير سَبِيل الْمُؤمنِينَ نوله مَا تولى} يَقْتَضِي اتِّبَاع سبيلهم على مَا بَيناهُ فِي الْكتاب فان قيل الاية تَقْتَضِي اتِّبَاع سبيلهم فِي الِاسْتِدْلَال على الحكم الَّذِي قَالُوا بِهِ بِدَلِيل وَلَا يَأْخُذُوا بِهِ بِغَيْر دَلِيل قيل كَذَلِك نقُول لأَنا إِذا أَخذنَا بذلك القَوْل كُنَّا قد أخذناه بِدَلِيل وَهُوَ إِجْمَاعهم وَقد دلّ الدَّلِيل على صِحَّته فَلَيْسَ فِي قَوْلنَا إِنَّه يجب علينا الرُّجُوع إِلَى قَوْلهم تَسْلِيم للخصم أَنا أَخذنَا بقَوْلهمْ بِلَا دَلِيل فَتكون الْآيَة حجَّة علينا
فان قيل يجب أَن يسْتَدلّ بِمَا استدلوا بِهِ يُعينهُ قيل لَا يجب ذَلِك لِأَن أهل كل عصر لَا يوجبون على الْمُكَلف الِاسْتِدْلَال على الحكم بِدَلِيل معِين إِذا أمكنه أَن يسْتَدلّ عَلَيْهِ بِدَلِيل آخر فَلم يكن وجوب الِاسْتِدْلَال بدليلهم الْمعِين سَبِيلا لَهُم فَلم يدْخل تَحت الظَّاهِر
إِن قيل قَول الله عز وَجل {وَيتبع غير سَبِيل الْمُؤمنِينَ} يَقْتَضِي ظَاهره مُؤمنين مُعينين وَأَن نصير إِلَيْهِم لأَنهم قَالُوا على مَا قدرتموه فِي الْكتاب وَيَقْتَضِي ظَاهر الْآيَة ايضا أَن يَكُونُوا مُؤمنين على الْحَقِيقَة بِحَسب ظننا إِمَّا الْإِيمَان اللّغَوِيّ أَو الْعرفِيّ أَو الديني وَلَا سَبِيل لنا إِلَى الْعلم بذلك فَلَيْسَ لكم أَن تتركوا هَذَا الظَّاهِر بِأولى من أَن نَتْرُك الظَّاهِر الأول ونقول المُرَاد بذلك مُؤمنين موصوفين كَأَنَّهُ قَالَ وَيتبع غير سَبِيل من حَقّهَا أَن تكون سَبِيل