الحكم لِأَنَّهُ مفْسدَة للخصوم لأَنا قد بَينا أَن لَا يمْتَنع أَن لَا يكون مفْسدَة لَهُم وَإِنَّمَا يمْنَع من ذَلِك الحكم لما يرجع إِلَى الْحَاكِم وَذَلِكَ يكون بالمناظرة والتبين
فان قيل وَمن أَيْن قُلْتُمْ أَن القَوْل خطأ من الْمُجْتَهد وَالْعَمَل بِهِ غير خطأ من الْخُصُوم والمستفتي قيل يكفينا أَن نعلم أَنه لَا يجب إِذا كَانَ خطأ من الْمُجْتَهد أَن يكون خطأ من الْخُصُوم والمستفتي وَأَن كَونه خطأ من هَؤُلَاءِ يحْتَاج إِلَى دلَالَة فَلَا نبينه خطأ مِنْهُم إِلَّا لدلَالَة وعَلى الْمُسْتَدلّ أَن يبين أَنه خطأ من هَؤُلَاءِ حَتَّى يتم دلَالَته وَإِلَّا فَالَّذِي مَعَه هُوَ أَن الصَّحَابَة سوغت الْفَتْوَى وَالْحكم وَلم يمْنَع بَعْضهَا الْعَاميّ قبُول فَتْوَى الْبَعْض الآخر وَيحْتَمل أَن تكون فعلت ذَلِك لِأَنَّهَا اعتقدت أَن كل مُجْتَهد مُصِيب وَيحْتَمل أَن تكون فعلت ذَلِك لِأَن كَون القَوْل خطأ من قَائِله لَا يَقْتَضِي أَن يكون الْعَمَل بِهِ خطأ مِمَّن قَلّدهُ فِيهِ فقد سقط أَن يكون للخصم فِيهِ دلَالَة على أَنهم اعتقدوا أَن كل مُجْتَهد مُصِيب
فان قَالُوا فَلَو كَانُوا اعتقدوا مَا ذكرْتُمْ لكانوا قد اعتقدوه عَن دلَالَة فَأَي دلَالَة دلّت على أَن القَوْل خطأ من قَائِله دون من قلد فِيهِ قيل لَيْسَ يجب مطالبتهم بِالدّلَالَةِ وعَلى أَن ذَلِك لَازم للسَّائِل لِأَنَّهُ يُقَال لَهُم وإي دلَالَة دلتهم على أَن كل مُجْتَهد مُصِيب على أَنا نَحن قد بَينا أَنه يحْتَاج فِي كَون الْعَمَل بالْقَوْل خطأ من جِهَة الْمُقَلّد إِلَى دلَالَة وَأَنه مَتى لم يجد دلَالَة على ذَلِك وَجب نَفْيه كَمَا أَنا إِذا لم نجد دلَالَة على قَضَاء الْعِبَادَة الْفَاسِدَة وَجب نفي وُجُوبه
وَيُمكن أَن يسْتَدلّ فِي الْمَسْأَلَة فَيُقَال لَو كَانَ الْمُجْتَهد فِي الْفُرُوع مخطئا لَأَدَّى إِلَى أَقسَام كلهَا فَاسِدَة وَذَلِكَ أَنه مَا كَانَ يَخْلُو إِمَّا أَن يقطعوا فِي الْجُمْلَة على أَن المخطىء من الْمُجْتَهدين مغْفُور لَهُ تَقْصِيره فِي النّظر وَإِمَّا أَن لَا يقطعوا على ذَلِك فان لم يقطعوا على ذَلِك فإجماع الْمُجْتَهدين الْقَائِلين بِأَن على الْفُرُوع أَمَارَات يمْنَع من ذَلِك لأَنهم مجمعون على أَن المخطىء من الْمُجْتَهدين مغْفُور لَهُ وَلِأَن الصَّحَابَة مَا كَانَ يُنكر بَعضهم على بعض أقاويلهم فِي مسَائِل الِاجْتِهَاد