وَقد أجَاز الشَّيْخ أَبُو الْحسن رَضِي الله عَنهُ الْقيَاس على خبر الْوَاحِد الْمُخَصّص للْعُمُوم وَقَالَ مُحَمَّد بن شُجَاع الثَّلْجِي رَحمَه الله إِذا كَانَ الْخَبَر الْوَارِد بِخِلَاف قِيَاس الاصول غير مَقْطُوع بِهِ لم يجز الْقيَاس عَلَيْهِ فَاقْتضى قَوْله هَذَا أَنه يجوز أَن يكون مذْهبه أَنه إِذا كَانَ الْخَبَر مَقْطُوعًا بِهِ جَازَ الْقيَاس عَلَيْهِ وَاعْلَم أَن مَا ورد بِخِلَاف قِيَاس الاصول إِمَّا أَن يكون دَلِيلا مَقْطُوعًا بِهِ أَو غير مَقْطُوع بِهِ فان كَانَ مَقْطُوعًا بِهِ فَهُوَ أصل فِي نَفسه لِأَن هَذَا معنى قَوْلنَا أصل فِي هَذَا الْموضع فَالْقِيَاس عَلَيْهِ كالقياس على تِلْكَ الاصول وَيجب أَن يقْصد الْمُجْتَهد مقصد التَّرْجِيح بَين القياسين وَيبين ذَلِك أَنه إِذا كَانَ عُمُوم الْكتاب لَا يمْنَع من قِيَاس يخصصه فبأن يكون الْقيَاس على الْعُمُوم لَا يمْنَع من الْقيَاس على أصل آخر يُخَالف الْعُمُوم اولى لِأَن الْعُمُوم أقوى من الْقيَاس عَلَيْهِ وَإِن كَانَ الْخَبَر الْوَارِد بِخِلَاف قِيَاس الاصول غير مَقْطُوع بِهِ فانه لَا تَخْلُو عِلّة حكمه إِمَّا تكون منصوصة أَو غير منصوصة فان لم تكن منصوصة وَلَو كَانَت اقوى من الْعلَّة الَّتِي يُقَاس بهَا الْفُرُوع على تِلْكَ الاصول فَلَا شُبْهَة فِي أَن الْقيَاس على الاصول أولى لِأَن الْقيَاس على مَا طَرِيقه مَعْلُوم أولى من الْقيَاس على مَا طَرِيقه غير مَعْلُوم وَإِن كَانَت الْعلَّة منصوصة فقد ذكر قَاضِي الْقُضَاة رَحمَه الله فِي الدَّرْس أَنه يَسْتَوِي القياسان من هَذَا الْوَجْه لِأَن الْقيَاس على الاصول يخْتَص بِأَن طَرِيق حكم أَصله مَعْلُوم وَإِن كَانَت طرق علته غير مَعْلُومَة وَالْقِيَاس على مَا ورد بِخِلَاف قِيَاس الاصول علته منصوصة
وَلقَائِل أَن يَقُول إِن هَذِه الْعلَّة وَإِن كَانَت منصوصة فَهِيَ غير مَعْلُومَة إِذْ هِيَ منقولة بالآحاد فَلم يساو الْقيَاس بهَا على تِلْكَ الاصول فِي الْقُوَّة وَالْأولَى أَن يُقَال إِن الْقيَاس على الاصول الْمَعْلُومَة لَهُ حَظّ من الْقُوَّة من حَيْثُ كَانَ حكم أَصله مَعْلُوما وَلَا يمْتَنع أَن تعَارض هَذِه الْقُوَّة قُوَّة أُخْرَى وَهِي طَرِيق الْعلَّة بِأَن يكون طَرِيق عِلّة الْقيَاس الآخر أقوى من طَرِيق عِلّة الْقيَاس على الاصول أما بِأَن تكون الْعلَّة منصوصة أَو مدلولا عَلَيْهَا بتنبيه فالموضع مَوضِع اجْتِهَاد فَلَا يَنْبَغِي إِطْلَاق الْمَنْع من ذَلِك