{فانكحوا مَا طَابَ لكم من النِّسَاء} {وَإِذا حللتم فاصطادوا} إِلَى غير ذَلِك وَلَيْسَ لأحد أَن يَقُول إِنَّمَا لم يعتقدوا الْوُجُوب عِنْد هَذِه الْأَوَامِر لدَلِيل بِأولى من أَن تَقولُوا إِنَّمَا قَالُوا بِالْوُجُوب عِنْد تِلْكَ الْأَوَامِر لدَلِيل لَا لظَاهِر الْأَمر
وَاحْتج أَصْحَابنَا الْقَائِلُونَ بِأَن الْأَمر لَا يَقْتَضِي الْوُجُوب بِمَا هَذَا مَعْنَاهُ لَو اقتضي الْأَمر الْوُجُوب لاقْتِضَائه إِمَّا بِلَفْظِهِ أَو بفائدته الَّتِي هِيَ الْإِرَادَة أَو بِشَرْطِهِ الَّذِي هُوَ الرُّتْبَة وَلَيْسَ شَيْء من ذَلِك يَقْتَضِي الْوُجُوب فَالْأَمْر إِذا لَا يَقْتَضِي الْوُجُوب لَكِن الْإِرَادَة تَقْتَضِي النّدب على بعض الْوُجُوه فصح أَن الْأَمر يَقْتَضِي النّدب
وَاسْتَدَلُّوا على أَن صِيغَة الْأَمر لَا تَقْتَضِي الْوُجُوب بِأَن الْوُجُوب لَيْسَ فِي لَفظهَا وَبِأَن صيغتها إِنَّمَا تفِيد الْإِرَادَة فَقَط وَاسْتَدَلُّوا على ذَلِك بِوُجُوه
مِنْهَا أَنه لَا فرق بَين قَول الْقَائِل افْعَل وَبَين قَوْله أُرِيد مِنْك أَن تفعل يفهم أهل اللُّغَة من أَحدهمَا مَا يفهمونه من الآخر وَيسْتَعْمل أَحدهمَا مَكَان الآخر فَجرى مجْرى إِدْرَاك الْبَصَر ورؤية الْبَصَر فِي أَن الْمَفْهُوم من أَحدهمَا هُوَ الْمَفْهُوم الآخر فَلَمَّا أَفَادَ قَوْلنَا أُرِيد مِنْك أَن تفعل الْإِرَادَة فَقَط دون كَرَاهَة ضد الْفِعْل وَدون إِيجَاب الْفِعْل وَجب مثله فِي قَوْلنَا أفعل
وَمِنْهَا أَن أهل اللُّغَة قَالُوا إِن قَول الْقَائِل لغيره افْعَل يكون أمرا إِذا كَانَ فَوق الْمَقُول لَهُ فِي الرُّتْبَة وسؤالا إِذا كَانَ دونه فِي الرُّتْبَة فَلم يفرقُوا بَينهمَا إِلَّا بالرتبة وَمَعْلُوم أَن السُّؤَال لَا يَقْتَضِي إِيجَاب الْفِعْل على المسؤول وَلَا كَرَاهَة ضد مَا سَأَلَهُ فعله وَإِنَّمَا يَقْتَضِي الْإِرَادَة فَقَط فَوَجَبَ فِي الْأَمر مثل