وَالدَّلِيل على أَن ذَلِك مَعْقُول من قِيَاس الأولى لَا بِاللَّفْظِ هُوَ أَنه لَو عقل بِاللَّفْظِ لَكَانَ اللَّفْظ مَوْضُوعا للْمَنْع من ضربهما إِمَّا فِي اللُّغَة اَوْ فِي الْعرف وَمن الْبَين أَنه غير مَوْضُوع للْمَنْع من الضَّرْب فِي اللُّغَة وَلَا يجوز أَن يكون مَوْضُوعا لذَلِك فِي الْعرف لِأَن الْعلم بِالْمَنْعِ من ضربهما مَوْقُوف على قِيَاس الأولى بَيَان ذَلِك إِن الْإِنْسَان إِذا سمع قَول الله عز وَجل {فَلَا تقل لَهما أُفٍّ} إِلَى قَوْله {وَقل لَهما قولا كَرِيمًا} علم أَن هَذَا القَوْل خرج مخرج الإعظام لَهما سِيمَا مَعَ مَا تقرر فِي الْعُقُول من وجوب تعظيمهما إِذا كَانَا مُؤمنين وَإِذا علم ذَلِك علم أَنه نهى عَن التأفيف لِأَنَّهُ يُنَافِي التَّعْظِيم فانه يُنَافِيهِ من حَيْثُ كَانَ أَذَى قصد بِهِ الاستخفاف فنعلم أَنه نهى عَن ذَلِك لكَونه أَذَى ونعلم أَن الْحَكِيم لَا ينْهَى عَن الشَّيْء لعِلَّة ويرخص فِيمَا فِيهِ تِلْكَ الْعلَّة وَزِيَادَة بل يكون يحظر ذَلِك أولى وَالضَّرْب هَذِه سَبيله فَكَانَ أولى بِالْمَنْعِ يبين ذَلِك أَنه لَو لم يحصل للْإنْسَان هَذِه الْجُمْلَة لم يعلم الْمَنْع من ضربهما لِأَنَّهُ لَو جوز أَن يكون إِنَّمَا نهى عَن التأفيف لِأَنَّهُ أَذَى قَلِيل لَا للإعظام لجوزنا أَن نؤمر بضربهما فان الْإِنْسَان قد يَقُول لغيره لَا تحبس اللص لَكِن اقْطَعْ يَده وَلَا تقطع يَد فلَان بل اقتله وَلَو علم أَنه نهى عَن التأفيف لِأَنَّهُ أَذَى وَجوز أَن يمْنَع الْحَكِيم من الشَّيْء لعِلَّة ويرخص فِيمَا فِيهِ تِلْكَ الْعلَّة وَزِيَادَة لما علم الْمَنْع من ضربهما فَعلمنَا أَن الْعلم بذلك مَوْقُوف على الْجُمْلَة الَّتِي ذَكرنَاهَا لَا غير دون مَا يدعى من الْعرف وَأَيْضًا فَلَيْسَ يجوز الحكم بِنَقْل الْكَلَام إِلَى الْعرف إِلَّا إِذا لم يُمكن سواهُ وَقد بَينا أَنه قد أمكن سواهُ
إِن قيل لَو عقل ذَلِك بِالْقِيَاسِ لجَاز أَن لَا يعلم الْمَنْع من ضربهما كثير من النَّاس بِأَن لَا يقيسوا قيل إِنَّمَا كَانَ يجب ذَلِك لَو كَانَ مَا ذَكرْنَاهُ من مُقَدمَات هَذَا الْقيَاس مستانفا تحْتَاج إِلَى غامض فحص فَأَما وَكثير مِنْهَا يُعلمهُ الْمُكَلف قبل الْخطاب كالقول بِأَن الْحَكِيم لَا يرخص فِي فعل مَا فِيهِ عِلّة الْمَنْع وَزِيَادَة