المعتمد (صفحة 661)

وَجوز الشَّافِعِي فِي رسَالَته أَن يكون فِي الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة مَا قَالَه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اجْتِهَادًا وَجوز قَاضِي الْقُضَاة رَحمَه الله ذَلِك وَلم يقطع عَلَيْهِ وَاسْتدلَّ بِأَن الْعقل يجوز أَن يتعبده الله بِالِاجْتِهَادِ وَلَيْسَ فِي الْعقل وَلَا فِي السّمع مَا يدل على أَنه تعبد بذلك وَلَا أَنه لم يتعبد بِهِ وَذَلِكَ يَصح إِذا أفسدنا أَدِلَّة القاطعين على أَنه تعبد بذلك والقاطعين على أَنه لم يتعبد بِهِ

فمما احْتج بِهِ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ تعبد بِالِاجْتِهَادِ قَوْلهم إِن فِي الِاجْتِهَاد مزِيد ثَوَاب فَلَا يجوز أَن يحرمه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْجَوَاب إِنَّه لَيْسَ يثبت أَن ثَوَاب الْمُجْتَهد فِي الأمارات أَكثر من ثَوَاب الْمُسْتَدلّ بالأدلة لِأَن الْمَشَقَّة مَوْجُودَة فيهمَا وَلَا يعلم التَّفَاضُل بَينهمَا فِيمَا يَقْتَضِي مزِيد الثَّوَاب على أَن الْوَاجِب أَن يكون ثَوَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَكثر وَلَيْسَ فِي كل فعل فَعَلْنَاهُ يجب أَن يفعل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثله ليستحق مثل ثوابنا على أَن هَذَا يَقْتَضِي أَن يكون متعبدا بِالِاجْتِهَادِ فِي جَمِيع مَا تعبدنا بِالِاجْتِهَادِ فِيهِ

وَمِنْهَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما قَالَ فِي مَكَّة لَا يختلي خَلاهَا قَالَ الْعَبَّاس إِلَّا الْإِذْخر فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا الْإِذْخر وَمَعْلُوم أَن الْوَحْي لم ينزل عَلَيْهِ فِي تِلْكَ الْحَال وَلكنه تنبه من اسْتثِْنَاء الْعَبَّاس على مَوضِع الِاجْتِهَاد وَالْجَوَاب إِنَّه لَا يمْتَنع ان يكون أَرَادَ اسْتثِْنَاء الْإِذْخر فسبقه الْعَبَّاس إِلَيْهِ فَلَا يجب الْقطع على مَا قَالُوهُ

وَمِنْهَا أَن الْعَمَل على الْقيَاس مَعْلُوم بِالْعقلِ وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَغَيره فِي ذَلِك سَوَاء وَالْجَوَاب إِن الْعقل يُوجب عندنَا إِذا لم يكن فِي الْحَادِثَة نَص وَإِذا لم يدل الشَّرْع على أَن الْقيَاس مفْسدَة فَمَا يؤمننا أَن يكون اسْتِعْمَال الْقيَاس للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مفْسدَة وَأَن مصْلحَته أَن يعْمل على النَّص فدله الله عز وَجل على ذَلِك وَنَصّ لَهُ على الْأَحْكَام

طور بواسطة نورين ميديا © 2015