وللنظام أَن يَقُول غرضي بِمَا ذكرته الْإِبَانَة عَن أَن الشَّرِيعَة قد شهِدت بابطال أماراتكم لِأَن الشَّرِيعَة لَو حظرت النّظر إِلَى شعر الْحرَّة وَلم تذكر الْأمة لقلتم إِنَّمَا حظرت ذَلِك خوف الْفِتْنَة وَذَلِكَ قَائِم فِي شعر الْأمة الْحَسْنَاء فَيحرم النّظر إِلَيْهِ ولكان ذَلِك من اقوى مَا تذكرونه من أماراتكم فِي الْقيَاس فاذا شهِدت الشَّرِيعَة بابطاله فقد صَحَّ قولي إِن وَضعهَا يمْنَع من الْقيَاس وَمِنْهَا أَن ذَلِك لَو منع من الْقيَاس الشَّرْعِيّ لمنع من الْقيَاس الْعقلِيّ لِأَن الْأَحْكَام الْعَقْلِيَّة قد تخْتَلف فِيهَا الْأَشْيَاء المتفقة وتشترك فِيهَا الْأَشْيَاء المتباينة وللنظام أَن يَقُول الاحكام الْعَقْلِيَّة لَا تشترك فِيهَا الْأَشْيَاء المتباينة فِي علل تِلْكَ الْأَحْكَام وَلَا تفترق فِيهَا الْأَشْيَاء المتفقة فِي عللها وَأَنا قد أريتكم أَشْيَاء متفقة فِي أَمْثَال عللكم وأماراتكم وَهِي متباينة فِي أَحْكَام تِلْكَ الامارات فَكَانَ فِي ذَلِك بطلَان قَوْلكُم وَلم توجدوني مثله فِي العقليات وَمِنْهَا أَن قَالَ أَكثر مَا يَقْتَضِيهِ وضع الشَّرِيعَة أَن تخْتَلف أَحْكَام الْأَشْيَاء فَيكون الْقيَاس عَلَيْهَا يثبت أحكاما متضادة فِي الْفُرُوع وَلَيْسَ ذَلِك يمْتَنع عندنَا إِذا كَانَ الْمُكَلف مُخَيّرا فِيهَا وللنظام أَن يَقُول مَا التزمتموه خَارج عَمَّا رمته لِأَن الَّذِي رمته هُوَ وُرُود الشَّرِيعَة بِمَا يُخَالف مفايستكم فِي التَّسْوِيَة والتفرقة ليَصِح أَن وَضعهَا يمْنَع من الْقيَاس وَلَيْسَ غرضي أَن أبين أَن الْقيَاس يَقْتَضِي أحكاما متضادة فِي الْفَرْع فتجيبوني بِالْتِزَام ذَلِك وَنحن نجيب النظام فَنَقُول إِنَّه أرانا مثل أمارتنا فقد نفت الشَّرِيعَة أَحْكَامهَا وَذَلِكَ إِنَّمَا نمْنَع من كَونهَا أَدِلَّة وَلَا نمْنَع من كَونهَا أَمارَة لِأَنَّهُ لَيْسَ من شَرط الأمارة أَن تدل هِيَ وأمثالها على حكمهَا على كل حَال بل قد تتخرم دلالتها وَلَا تخرج من كَونهَا أَمارَة أَلا ترى أَن الْغَيْم الرطب أَمارَة فِي الشتَاء على الْمَطَر وَلَيْسَ ينْقض كَونه أَمارَة على ذَلِك وجودنا غيما أرطب من ذَلِك فِي صميم الشتَاء وَلَا يكون الْمَطَر وامثال ذَلِك كثير وَكَذَلِكَ لَا تخرج أمارتنا من كَونهَا أَمَارَات بِوَجْه لوجودنا أَمْثَالهَا وأحكامها متخلفة عَنْهَا فان قَالَ قد وجدت الْأَكْثَر من أَمْثَال أماراتكم لَا يتَعَلَّق بهَا فِي الشَّرِيعَة حكم فَخرجت بذلك عَن أَن تكون أَمَارَات إِذْ الْأَكْثَر من الأمارات يتَعَلَّق بهَا