الْمُتَكَلّم بِهِ إِخْبَار زيد وإعلامه مَا تضمنه الْخَبَر فقد أعقلنا معنى إِرَادَته لكَونه خَبرا فَيَنْبَغِي أَن يعقلوا بالارادة لكَون الصِّيغَة أمرا وَقد أفسد ذَلِك أَيْضا بِأَنَّهُ كَانَ يجب أَن تكون الصِّيغَة أمرا إِذا أَرَادَ فاعلها أَن يكون أمرا وَإِن كره الْمَأْمُور بِهِ وَذَلِكَ بَاطِل بالتهديد وَلقَائِل أَن يَقُول إِنَّمَا لم يكن التهديد أمرا لِأَن الْمُتَكَلّم بِهِ مَا أَرَادَ كَونه أمرا أَو يَسْتَحِيل من جِهَة الدَّاعِي أَن يُرِيد كَونه أمرا وَيكرهُ الْمَأْمُور بِهِ وَقيل أَيْضا كَانَ يَنْبَغِي جَوَاز تعلق الْأَمر بالماضي كالخبر إِذا كَانَ إِرَادَة إِحْدَاث الْمَأْمُور بِهِ لَيْسَ من شَرطه وَلقَائِل أَن يَقُول إِن الْأَمر تَكْلِيف وَلَا يجوز تَكْلِيف الْمَاضِي وَالْجَوَاب أَنه إِن لم يجب أَن يكون الْغَرَض بِهِ إِيقَاع الْفِعْل فَلَيْسَ بِوَاجِب أَن يكون تكليفا وَكَانَ يَنْبَغِي صِحَة تعلقه بالإحداث وَبِغير الإحداث كالخبر وَيكون مَا تعلق مِنْهُ بِغَيْر الاحداث قبيحا فصح أَن صِيغَة الْأَمر إِنَّمَا تكون طلبا بِشَرْط أَن يكون الْغَرَض بهَا وُقُوع الْمَأْمُور بِهِ
وَاحْتج الْمُخَالف بأَشْيَاء
مِنْهَا أَنه لَو كَانَ الْأَمر إِنَّمَا يكون أمرا إِذا أَرَادَ الْآمِر الْفِعْل لما جَازَ أَن يسْتَدلّ بِالْأَمر على الارادة لِأَنَّهُ لَا يعلم أمرا قبل الارادة وَالْجَوَاب أَنا لَا نستدل على الارادة بِالْأَمر من حَيْثُ كَانَ أمرا بل من حَيْثُ إِنَّه على صِيغَة افْعَل وَقد تجرد لِأَن عِنْد أَصْحَابنَا أَن هَذِه الصِّيغَة مَوْضُوعَة للإرادة وَكَلَام الْحَكِيم يجب حمله على مَوْضُوعه إِذا تجرد وَعِنْدنَا أَن هَذِه الصِّيغَة جعلت فِي اللُّغَة طلبا للْفِعْل فَإِذا بَان لنا أَنه لَا معنى لكَونهَا طلبا للْفِعْل إِلَّا أَن الْمُتَكَلّم بهَا قد أَرَادَ الْفِعْل وَأَنه هُوَ غَرَضه علمنَا بذلك الارادة عِنْد علمنَا بالصيغة
وَمِنْهَا قَوْلهم إِن اهل اللُّغَة قَالُوا إِن الْأَمر هُوَ قَول الْقَائِل افْعَل مَعَ الرُّتْبَة وَلم يشرطوا الارادة مَعَ انهم شرطُوا الرُّتْبَة فَلَو كَانَت الارادة شرطا لذكروها أَيْضا فَجرى ذَلِك مجْرى كَون الْأسد مُسَمّى بِأَنَّهُ أَسد فِي أَنه لَا يشرط فِيهِ الارادة وَالْجَوَاب أَنه يجوز أَن يَكُونُوا لم يشرطوا الارادة لظهورها