لَا يَصح أَن يعلم صِحَة الْإِجْمَاع لِأَنَّهُ إِنَّمَا يعلم صِحَّته بِالسَّمْعِ وَمن لَا يَصح أَن يعلم صِحَة الْإِجْمَاع لَا يَصح أَن يُؤمر باتباعه فِي تِلْكَ الْحَال
فان قيل إِن الله تَعَالَى شَرط فِي لُحُوق الْوَعيد بِمن اتبع غير سَبِيل الْمُؤمنِينَ تبين الْهدى وَاللَّام فِي الْهدى للْجِنْس فاقتضت اسْتِيعَاب الْهدى فَكَانَ معنى الْآيَة من تبين جَمِيع الْهدى وَاتبع غير سَبِيل الْمُؤمنِينَ لحقه الْوَعيد فَيدْخل مَا أَجمعُوا عَلَيْهِ فِي جملَة الْهدى فَيجب تقدم بَيَانه بِدَلِيل سوى قَول الْأمة ثمَّ يتبعُون فِيهِ كَمَا أَن الْإِنْسَان إِذا قَالَ لغيره إِذا تبين لَك صدق فلَان فَاتبعهُ يَقْتَضِي تبين صدقه بِشَيْء سوى قَوْله وَقد أجيبت عَن ذَلِك بِأَن تبين الْهدى شَرط فِي لُحُوق هَذَا الْوَعيد الْمَذْكُور بمشاقة الرَّسُول فَقَط لَا فِي اتِّبَاع غير سَبِيل الْمُؤمنِينَ لِأَن الْإِنْسَان إِنَّمَا يكون مشاقا ومعاندا إِذا تبين لَهُ الْحق وعرفه فَكَانَ هَذَا الشَّرْط مَقْصُورا على المشاقة فَقَط
وَيُجَاب عَن السُّؤَال أَيْضا بِأَن الْهدى الَّذِي تبينه شَرط فِي ثُبُوت مشاقة الرَّسُول وَفِي لُحُوق الْوَعيد هُوَ التَّوْحِيد وَالْعدْل وَصدق الرَّسُول دون تبين الْهدى الَّذِي هُوَ الْفُرُوع أَلا ترى أَن من عرف التَّوْحِيد وَالْعدْل وَصدق النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وحاد عَن نبوته ورد عَلَيْهِ كَانَ مشاقا لَهُ وَإِن لم يعرف أَحْكَام الْفُرُوع وَإِذا أنكر لم تكن الْمعرفَة بِأَحْكَام الْفُرُوع وَغَيرهَا مِمَّا زَاد على التَّوْحِيد وَالْعدْل والنبوات شرطا فِي المشاقة وَفِي لُحُوق الْوَعيد بهَا لم تكن شرطا فِي لُحُوق الْوَعيد بِمن اتبع غير سَبِيل الْمُؤمنِينَ لِأَن الْوَعيد الْمُعَلق بهما وَاحِد
وَأَيْضًا فان تَأْوِيل السَّائِل يبطل فَائِدَة تَمْيِيز الْمُؤمنِينَ بِهَذَا الْكَلَام مَعَ علمنَا أَنه خرج مخرج الإعظام لَهُم أَلا ترى أَن غير الْمُؤمنِينَ إِذا عرفنَا أَن قولا من أقاويلهم هَذَا فانه يلْزمنَا أَن نقُول مثل قَوْلهم كَمَا يلْزمنَا مثل ذَلِك فِي قَول الْمُؤمنِينَ عِنْد السَّائِل على أَن اتِّبَاع الْمُؤمنِينَ هُوَ الرُّجُوع إِلَى قَوْلهم لأَنهم قَالُوهُ