ليشهدوا من جِهَة الْخَبَر قيل الظَّاهِر من قَوْله {جَعَلْنَاكُمْ أمة وسطا} أَنهم كَذَلِك على الْحَقِيقَة لِأَن الْخَبَر يَقْتَضِي كَون الْمخبر على مَا تنَاوله كَمَا لَو أخبر أَنه جعلهم بيضًا أَو سُودًا
فان قيل إِن كَانَ المُرَاد بالأمة جَمِيع من صدق بِالنَّبِيِّ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة لم يثبت مَعَ ذَلِك كَون الْإِجْمَاع حجَّة فان أُرِيد من كَانَ مَوْجُودا حِين نزلت الْآيَة لم يَصح أَن يتعلقوا بِالْإِجْمَاع فِي شَيْء إِلَّا أَن يعلمُوا أَن جَمِيع من كَانَ حَاضرا حِين نزلت الْآيَة قَالَ بذلك القَوْل قيل أما الْقسم الأول فَلَا يَصح لِأَن جَمِيع من صدق بِالنَّبِيِّ إِلَى قيام السَّاعَة لَا يجوز أَن يشْهدُوا بِلُزُوم الْعِبَادَات على غَيرهم لِأَنَّهُ لَيْسَ غَيرهم مُكَلّف بعد تِلْكَ الْحَال وَلَا يجوز الْقسم الثَّانِي لِأَنَّهُ لَا سَبِيل لنا إِلَى الْعلم بِهِ وَقد أَمرهم الله تَعَالَى أَن يشْهدُوا وَذَلِكَ يَقْتَضِي وجوب الْقبُول علينا وَلَا يجوز أَن يقف وجوب قبولنا مِنْهُم على مَا لَا سَبِيل لنا إِلَى الْعلم بِهِ وَأَيْضًا فان الشَّهَادَة علينا إِنَّمَا تكون بعد حدوثنا وَمَوْت النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام وَهَذَا يَقْتَضِي أَن يكون المُرَاد بالأمة عصر الصَّحَابَة بعد وَفَاة النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام
دَلِيل آخر قَوْله تَعَالَى {كُنْتُم خير أمة أخرجت للنَّاس تأمرون بِالْمَعْرُوفِ وتنهون عَن الْمُنكر} يدل على أَنهم ينهون عَن كل مُنكر لِأَن لَام الْجِنْس يسْتَغْرق الْجِنْس فَلَو أَجمعُوا على مَذْهَب مُنكر لما نهوا عَنهُ بل كَانُوا أمروا بِهِ
إِن قيل قَوْله {كُنْتُم خير أمة} يَقْتَضِي تقدم كَونهم خير أمة وَلَيْسَ فِي الْآيَة دَلِيل على أَنهم يستديمون هَذِه الْحَال وَالْجَوَاب أَنه قد قيل إِنَّه يحْتَمل أَن يكون كَانَ هَا هُنَا هِيَ الزمانية وَيحْتَمل أَن تكون زَائِدَة وَإِن أَفَادَ لَفظهَا نصب قَوْله {كُنْتُم خير أمة} كَقَوْلِه تَعَالَى {كَيفَ نُكَلِّم من كَانَ فِي المهد صَبيا} وَيحْتَمل أَن تكون كَانَ هَا هُنَا تَامَّة بِمَعْنى وجدْتُم وَيكون