وَلما قبلنَا فِيهَا خبر وَاحِد وَلَا قِيَاسا متأخرين فَأَما تَقْيِيد الرَّقَبَة بِالْإِيمَان فَهُوَ فِي معنى التَّخْصِيص لِأَنَّهُ يخرج عتق الْكَافِرَة من الْخطاب فان كَانَ مَا اقْتضى هَذَا التَّقْيِيد خبر وَاحِد أَو قِيَاس وَكَانَ متراخيا لم يقبل لِأَن عُمُوم الْكتاب أجَاز عتق الْكَافِرَة فَتَأَخر حظر عتقهَا فِي الْكَفَّارَة هُوَ النّسخ بِعَيْنِه فَلم يقبل فِيهِ خبر وَاحِد وَلَا قِيَاس وَإِن كَانَ الْقيَاس أَو خبر الْوَاحِد مُقَارنًا فَهُوَ تَخْصِيص والتخصيص يَصح بِخَبَر الْوَاحِد وَالْقِيَاس فَأَما إِذا قطعت يَد السَّارِق وَإِحْدَى رجلَيْهِ ثمَّ سرق فَإِن إِبَاحَة قطع رجله الْأُخْرَى رفع حظر قطعهمَا وحظر قطعهَا إِنَّمَا يثبت يالعقل فَجَاز رَفعه بِخَبَر وَاحِد وَقِيَاس وَلم يسم نسخا فَأَما إِذا أمرنَا الله عز وَجل بِفعل أَو قَالَ هُوَ وَاجِب عَلَيْكُم ثمَّ خيرنا بَينه وَبَين فعل آخر فَإِن هَذَا التَّخْيِير يكون مزيلا لحظر ترك أوجبه علينا إِلَّا أَن حظر تَركه كَانَ مَعْلُوما بِالْبَقَاءِ على حكم الْعقل وَذَلِكَ لِأَن قَوْله أوجبت هَذَا الْفِعْل عَلَيْكُم يَقْتَضِي أَن للإخلال بِهِ تَأْثِيرا فِي اسْتِحْقَاق الذَّم وَهَذَا لَا يمْنَع من أَن يقوم مقَامه وَاجِب آخر وَإِنَّمَا علم أَن غَيره لَا يقوم مقَامه لِأَن الأَصْل أَنه غير وَاجِب وَلَو كَانَ وَاجِبا بِالشَّرْعِ لدل عَلَيْهِ دَلِيل شَرْعِي فَصَارَ علمنَا بِنَفْي وُجُوبه مَوْقُوفا على أَن يكون الأَصْل يَقْتَضِي نفي وُجُوبه مَعَ نفي دَلِيل شَرْعِي فالمثبت لوُجُوبه إِنَّمَا رفع حكما عقليا فَجَاز أَن نثبته بِقِيَاس أَو خبر وَاحِد مِثَال ذَلِك أَن يُوجب الله علينا غسل الرجلَيْن ثمَّ يخيرنا بَينه وَبَين الْمسْح على الْخُفَّيْنِ وَكَذَلِكَ إِذا خيرنا الله عز وَجل بَين شَيْئَيْنِ ثمَّ أثبت مَعَهُمَا ثَالِثا فَأَما إِذا قَالَ الله عز وَجل هَذَا الْفِعْل وَاجِب وَحده أَو قَالَ لَيْسَ يقوم غَيره مقَامه فَإِن إِثْبَات بدل لَهُ فِيمَا بعد رَافع لما علمنَا بِدَلِيل شَرْعِي لِأَن قَوْله هَذَا وَاجِب وَحده هُوَ صَرِيح فِي نفي وجوب غَيره فالمثبت لوُجُوب غَيره رَافع لحكم شَرْعِي فَلم يجز كَونه خبر وَاحِد وَلَا قِيَاسا فَأَما قَول الله عز وَجل {واستشهدوا شهيدين من رجالكم فَإِن لم يَكُونَا رجلَيْنِ فَرجل وَامْرَأَتَانِ} فَهُوَ تَخْيِير بَين