بَينا أَنه لَا يجب الِاشْتِقَاق من الْحَقَائِق أَلا ترى أَن قَوْلنَا رَائِحَة يَقع على الرَّائِحَة حَقِيقَة وَلَا يشتق مِنْهُ وَكَذَلِكَ قَوْلنَا لون وَكَذَلِكَ طعم فانه لَيْسَ من أَمارَة الْحَقِيقَة التَّثْنِيَة وَالْجمع لِأَن اسْم الْحمار إِذا وَقع على البليد ثني وَجمع مَعَ أَنه مجَاز فِيهِ وَلَا يلْزمنَا نَحن من وَجه آخر لأَنا إِذا جَعَلْنَاهُ عبارَة عَن شَأْن الانسان وَذَلِكَ يدْخل فِيهِ فعله وَغير فعله لم يجز أَن يشتق مِنْهُ اسْم آمُر لِأَن ذَلِك ينبىء عَن الفعلية يَعْنِي الِاشْتِقَاق
وَمِنْهَا أَنه كَانَ يجب أَن يُقَال فِي فَاعل الْفِعْل أَمر بِكَذَا وَأَن يلْزم الْفِعْل الطَّاعَة وَالْمَعْصِيَة كالقول وَهَذَا لَا يَصح لَان للْقَوْم أَن يَقُولُوا نَحن نجعله مُشْتَركا بَين القَوْل الَّذِي يتَعَدَّى فَيُقَال فِيهِ إِنَّه أَمر بِكَذَا وَبَين الْفِعْل الَّذِي لَا يتَعَلَّق بِغَيْرِهِ وَيَتَعَدَّى إِلَيْهِ وَلَا يُقَال فِيهِ أَمر بِكَذَا وَلَا يلْزمه الطَّاعَة وَالْمَعْصِيَة وَهَكَذَا الْجَواب إِن اسْتدلَّ بِهِ علينا فِي وُقُوعه على الشَّأْن
وَاحْتج من جعله وَاقعا على الْفِعْل حَقِيقَة بِوُجُوه
مِنْهَا قَول الله سُبْحَانَهُ {وَمَا أَمر فِرْعَوْن برشيد} وَالْجَوَاب أَنه لَا يمْتَنع أَن يكون أَرَادَ قَوْله وَلِهَذَا قَالَ {فاتبعوا أَمر فِرْعَوْن} والاتباع إِنَّمَا يكون فِي القَوْل
وَمِنْهَا قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {وَمَا أمرنَا إِلَّا وَاحِدَة كلمح بالبصر} وَالْجَوَاب أَنه لَيْسَ المُرَاد بذلك أَن فعله كلمح بالبصر وَإِنَّمَا المُرَاد بذلك أَن من صَنعته وشأنه أَنه إِذا أَرَادَ شَيْئا وَقع كلمح الْبَصَر فِي السرعة
وَمِنْهَا قَوْلهم قد خُولِفَ بَين جمع الْأَمر إِذا أَفَادَ القَوْل وَبَين جمعه إِذا أَفَادَ الْفِعْل فَقيل فِي الأول أوَامِر وَفِي الثَّانِي امور فَدلَّ على أَنه حَقِيقَة فيهمَا وَالْجَوَاب أَنه قد حُكيَ عَن أهل اللُّغَة أَن الْأَمر لَا يجمع