لما كان الأمر مستلزم للنهي عن الضد فالكلام الذي ذكرناه عن الأمر ينسحب على النهي.
قال ابن قدامة في "روضة الناظر" (ص/216): (اعلم أن ما ذكرناه من الأوامر تتضح به أحكام النواهي إذ لكل مسألة من الأوامر وزان من النواهي على العكس فلا حاجة إلى التكرار إلا في اليسير).
النهي هو: (قول يتضمن طلب الكف على وجه الاستعلاء) (?).
سبق في باب الأمر بيان أن الراجح في حد الأمر اشتراط الاستعلاء دون العلو وعللته بأن الاستعلاء صفة للأمر والعلو صفة للآمر وهو خارج عن ماهية التعريف، وهذا الكلام ينسحب على تعريف النهي.
قال الأشقر في أفعال الرسول (2/ 46 - 47): (يرى كثير من الأصوليين أن الكفّ فعل من الأفعال، وهو عندهم فعل نفسي. ونُسِب إلى قوم منهم أبو هاشم الجبائي أن الكف انتفاء محضّ، فليس بفعل.
والأول أولى، كما هم معلوم بالوجدان.
وأيضاً نجد في الكتاب والسنة إشارات إلى أن الكف فعل ... ).
وقال الشنقيطي في "أضواء البيان" (6/ 317: 320) عند قوله تعالى: (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا) [الفرقان: 30]: (اعلم أن السبكي قال إنه استنبط من هذه الآية الكريمة من سورة «الفرقان» مسألة أصولية، وهي أن الكف عن الفعل فعل. والمراد بالكف الترك، قال في طبقاته: لقد وقفت على ثلاثة أدلّة تدلّ على أن الكفّ فعل لم أرَ أحدًا عثر عليها.
أحدها: قوله تعالى: (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا) [الفرقان: 30]، فإن الأخذ التناول والمهجور المتروك، فصار المعنى تناولوه