قال الشنقيطي في "تفسيره" (1/ 184) فقال: (قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ) [البقرة: 282] ظاهر هذه الآية الكريمة أن كتابة الدين واجبة؛ لأن الأمر من الله يدل على الوجوب. ولكنه أشار إلى أنه أمر إرشاد لا إيجاب بقوله: (وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ) [البقرة: 283]؛ لأن الرهن لا يجب إجماعا وهو بدل الكتابة عند تعذرها في الآية فلو كانت الكتابة واجبة لكان بدلها واجبا. وصرح بعدم الوجوب بقوله: (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ) [البقرة: 283] فالتحقيق أن الأمر في قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ) للندب والإرشاد؛ لأن لرب الدين أن يهبه ويتركه إجماعا فالندب إلى الكتابة فيه إنما هو على جهة الحيطة للناس قاله القرطبي).
وقد بيَّن - رحمه الله - أن قيد (وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ) لا مفهوم مخالفة له؛ لأنه جرى مجرى الغالب إذ الغالب أن الكاتب لا يتعذر في الحضر وإنما يتعذر غالبا في السفر، وعليه فالرهن جائز حضرا وسفرا وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم توفي ودرعه مرهونة عند يهودي.
قال المرداوي في "التحبير" (5/ 2186): (والضابط فيه - أي الإرشاد - أن يرجع لمصلحة في الدنيا بخلاف الندب فإنه لمصالح الآخرة. وأيضا الإرشاد لا ثواب فيه والندب فيه الثواب) (?).
والإرشاد إنما يكون بالنظر للعادات، أو الأمور الدنيوية لذاتها (العادات المحضة) بقطع النظر عن نية الامتثال أو شائبة التعبد، كالأكل لنيل حظ النفس من الشبع،