الثاني:
ولتعلم أن من قسم الكلام إلى حقيقة ومجاز أثبت أن الكلام له وضع أول أي حقيقي استعملته فيه العرب كالأسد للحيوان المفترس، فإن استعملته في وضع ثان أي في الرجل الشجاع مثلا - بشروط تأتي - يقال أن هذا مجاز.
ويشكل على هذا التقسيم أمران:
الأول - أن من لوازم هذا التقسيم للوضع الأول والثاني للكلام أن اللغة توقيفية، وأن الوضع الأول معروف بتوقيف من الله، ويشكل على هذا أمور منها: أن علماء اللغة مختلفون في اللغة هل هي توقيفية أم اصطلاحية أم إلهامية على أقوال ستة مبسوطة في غير هذا الموضوع، فكيف السبيل للجزم بأن هذا هو الوضع الأول، بمعنى أنهم إن احتاجوا إلى إثبات الوضع السابق على الاستعمال تعذر عليهم ذلك للخلاف الوارد في أصل اللغة هل هي توقيفية أم لا؟
وأيضا إن عكس القول عليهم بأن الوضع الثاني أول لما استطاعوا رده.
وأيضا من لوازم قولهم أن اللفظ الموضوع قبل الاستعمال لا حقيقة ولا مجاز فإن استعمل في غير موضوعه صار مجاز لا حقيقة له.
الثاني- قولهم أن كل مجاز يجوز نفيه.
قال الشيخ العثيمين - رحمه الله - في "شرح نظم الورقات" (ص/71): (ونحن نجيب عن كل هذه الأمثلة - أي التي ذكرها العمريطي انتصار للقول بالمجاز في القرآن واللغة - ونقول: الصواب أنه لا مجاز في اللغة العربية، لا في القرآن، ولا في السنة، ولا في غيرهما؛ وذلك لأن المجاز أصدق ما يكون فيه هو الذي يصح نفيه ونفي المعنى المراد بمقتضى سياقه، أو لفظه لا يمكن أبدا) ثم أخذ - رحمه الله - في الرد على الأمثلة المذكورة.
قال العلامة الشنقيطي - رحمه الله - في رسالته " منع جواز المجاز في المنزل للتعبد والإعجاز " (ص 35: 38): (كل ما يسميه القائلون بالمجاز مجازاً فهو - عند من يقول بنفي المجاز - أسلوب من أساليب اللغة العربية.
فمن أساليبها إطلاق الأسد مثلاً على الحيوان المفترس المعروف، وأنه ينصرف إليه عند الإطلاق، وعدم التقييد بما يدل على أن المراد غيره.