ينبغي أن ننتبه إلى أن المقلدين والمجتهدين على طبقات، وقد اصطلحنا على أن منزلة الإتباع تدخل ضمنا في مرتبة التقليد ما لم يُحَصِّل أصحابها ملكة الاستنباط ويحققوا شروط الاجتهاد.
المجتهد المستقل لا يتقيد بمذهب، ولا يقلد أحدا. وأما من هو دون مرتبته كالعامي والمتبع ففيه التفصيل الآتي:
العامي أو المقلد الذي لا دراية عنده بالأدلة ولا يملك أي نوع من النظر فهذا الأقوى عندي أنه لا يتمذهب بل إن مذهبه هو مذهب مفتيه، وإنما سمى عاميا اشتقاقا من العمى فهو بيد من أخذ بيده.
وأما من ارتقى عن هذه المنزلة، وله نوع نظر في الأدلة، إلا أنه قاصر عن مرتبة الاجتهاد فهذا الراجح في حقه هو جواز التمذهب دون التعصب، وفائدة التمذهب أن يتحصل عند الطالب منهج ومعيار منضبط وغير متناقض في النظر إلى المسائل الفقهية، وأيضا سيحقق له التدرج والترقي في سلم العلم، فكل مذهب من المذاهب تعاقبت أجيال على خدمته على مدار قرون طوال، وصنف العلماء فيه مؤلفات كثيرة منها ما يقتصر على رواية واحدة ثم يتدرج، ويعرض للطالب روايتين، وهكذا، وهذه المزية لا يجدها في غير كتب المذاهب، وإنما أنكر الناس التمذهب حينما خلطوه بالتقليد المذموم الذي يتعصب فيه الطالب للإمام ويعتقد أنه قد أحاط بكل مسائل الدين وأدلتها، وأنه معصوم عن الخطأ.
وعليه فالصواب أن الطالب يجوز له أن يتمذهب، شريطة ألا يتعصب، بل يرجع عما ظهر له خطأ إمامه فيه، وأقوال الأئمة كثيرة في النهي عن تقليدها.
الراجح أنه لا يفتي إلا مجتهد سواء أكان مستقلا أو مقيدا بمذهب، والمجتهد في باب أو مسألة لا يفتى إلا في الباب أو المسألة التي هو أهل للنظر فيها دون غيرها، وأما من دون هؤلاء وليس على صفة من صفاتهم فلا يحل له الفتوى لا لنفسه ولا لغيره، وغاية الأمر أنه إن عدم العالم المجتهد في بلدة ما، واحتيج إلى فتوى المقلد فهنا يجوز له أن ينقل أقوال العلماء، فيقول قال أحمد، قل الشافعي، وهكذا ويكون