والأليق بحال المجتهد عدم الاكتفاء بمعرفة الأدلة الدالة على الأحكام بطريق النصّ أو الظاهر دون ما كانت دلالته خفية. وحصر الأدلة في عدد معين لا دليل عيه، وأحكام الشرع كما تستنبط من الأوامر والنواهي؛ كذلك تستنبط من الأقاصيص والمواعظ ونحوها، فقل أن يوجد في القرآن آية إلا ويستنبط منها شيء من الأحكام.

وليس معنى ذلك أن المجتهد يستحضر جميع ما ورد في المسالة من أدلة بل يجتهد قدر طاقته وهو دائر بين الأجر والأجرين.

والصحابة هم أعلم الناس بالأدلة ووجوه دلالتها على الأحكام، إلا أنه قد يخفى على بعضهم بعض الأدلة سواء أكانت دلالتها على الحكم ظاهرة أم خفية، وليس معنى هذا الاكتفاء ببعض الأدلة دون بعض بل المقصود وجود ملكة الاستنباط وبذل الوسع في معرفة الحكم الشرعي.

وأما القول بأن الإحاطةَ بكلِّ ما في القرآن من المعاني ليس ممكناً، فلو اشترطنا ذلك لما تمكن أحدٌ من الاجتهاد، فليس بصحيح فمن عرف دلالات الألفاظ، وأصول الفقه سهل عليه استنباط الأحكام من الأدلة بالقوة القريبة، وإنما يكفيه أن يستقرئ الأدلة للوصول للحكم الشرعي، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها، وقد جمعت السنة في دواوين وسهل الوقوف على الأدلة أكثر من ذي قبل.

الشرط الثاني - أن يعرف ما يتعلق بصحة الحديث وضعفه.

قال الطوفي في "مختصر الروضة" (ص / 174) وهو يتكلم عن شرط المجتهد: (معرفة صحة الحديث اجتهادا كعلمه بصحة مخرجه وعدالة رواته، أو تقليدا كنقله من كتاب صحيح ارتضى الأئمة رواته) (?).

قال ابن النجار في " شرح الكوكب " (4/ 461): ("و" يشترط في المجتهد أيضا: أن يكون عالما ب "صحة الحديث وضعفه" سندا ومتنا، ليطرح الضعيف حيث لا يكون في فضائل الأعمال، ويطرح الموضوع مطلقا، وأن يكون عالما بحال الرواة في القوة والضعف، ليعلم ما ينجبر من الضعف بطريق آخر "ولو" كان علمه بذلك "تقليدا كنقله"

طور بواسطة نورين ميديا © 2015