سواء كانا عقليين أو نقليين، أو أحدهما عقليا والآخر نقليا؛ إذ لو فرض ذلك لزم اجتماع النقيضين، أو ارتفاعهما، وترجيح أحدهما على الآخر محال فلا مدخل للترجيح في الأدلة القطعية؛ لأن الترجيح فرع التعارض ولا تعارض فيها فلا ترجيح ... ومثل ذلك القطعي والظني، أعني أنه لا تعادل بينهما ولا تعارض لانتفاء الظن؛ لأنه يستحيل وجود ظن في مقابلة يقين خلافه، فالقاطع هو المعمول به والظن لغو، وكذلك لا يتعارض حكم مجمع عليه مع حكم آخر ليس مجمعا عليه. قوله: {وكذا ظنيان عند أحمد، وأكثر أصحابه، والكرخي، وبعض الشافعية ... ، وقال القاضي وابن عقيل والأكثر: يجوز تعادلهما كما في نظر المجتهد اتفاقا وحكي عن أحمد}).
والراجح أنه لا فرق بين الأدلة الظنية والقطعية (?) في امتناع وقوع التعارض بينهما بمعنى أنه يمتنع حدوث تعارض حقيقي بين الأدلة، وأنه إذا حدث تعارض بين الأدلة فإنه يكون صوريا أي من وجهة نظر المجتهد فقط (?)، وذلك (?) لأن كتاب الله سالم من الاختلاف والاضطراب والتناقض؛ لأنه تنزيل من حكيم حميد فهو حق من حق، قال تعالى: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) [النساء: 82] ولهذا مدح الله تعالى الراسخين في العلم حيث قالوا: (آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا) [آل عمران: 7]؛ أي: محكمه ومتشابهه حق (?).
وقال - صلى الله عليه وسلم -: (إن القرآن لم ينزل يكذب بعضه بعضًا، بل يصدق بعضه بعضًا، فما عرفتم منه فاعملوا به، وما جهلتم منه فردوه إلى عالمه) (?).