الشارع المقصود به الله - عزو جل - ولكن الحنابلة تطلق لفظ الشارع أيضا على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهم يقولون بمسألة التفويض ويرون أن النبي - صلى الله عليه وسلم - له أن يحكم بما شاء فيما شاء، ولا يكون رأيه إلا موافقا للصواب في حكم الله.
قال ابن النجار في "شرح الكوكب" (4/ 519): (يجوز أن يقال لنبي أو مجتهد: احكم بما شئت فهو صواب ويكون) ذلك (مدركا شرعيا ويسمى: التفويض) عند الأكثر؛ لأن طريق معرفة الأحكام الشرعية:
إما التبليغ عن الله - سبحانه وتعالى - بإخبار رسله عنه بها، وهو ما سبق من كتاب الله سبحانه وتعالى وثبت بسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما تفرع عن ذلك، من إجماع وقياس وغيرهما من الاستدلالات، وطرقها بالاجتهاد، ولو من النبي صلى الله عليه وسلم.
وإما أن يكون طريق معرفة الحكم: التفويض إلى رأي نبي أو عالم، فيجوز أن يقال لنبي أو لمجتهد غير نبي: احكم بما شئت فهو صواب عند بعض العلماء، ويؤخذ ذلك من كلام القاضي وابن عقيل، وصرحا بجوازه للنبي صلى الله عليه وسلم، وقاله الشافعي وأكثر أصحابه، وجمهور أهل الحديث، فيكون حكمه من جملة المدارك الشرعية ... وتردد الشافعي، أي في جوازه، كما قال إمام الحرمين، وقال: الجمهور في وقوعه، ولكنه قاطع بجوازه. والمنع: إنما هو منقول عن جمهور المعتزلة، قاله ابن مفلح، ومنعه السرخسي وجماعة من المعتزلة؛ واختاره أبو الخطاب، وذكره عن أكثر الفقهاء، وأنه أشبه بمذهبنا؛ لأن الحق عليه أمارة، فكيف يحكم بغير طلبها؟
وقيل: يجوز ذلك في النبي دون غيره.
(و) على القول بالجواز (لم يقع) في الأصح، قال ابن الحاجب: المختار أنه لم يقع، واحتج القاضي وابن عقيل وغيرهما للقول الأول: بقوله - سبحانه وتعالى -: (إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ) [آل عمران: 93] لأنه لا يمكن أن يحرم على نفسه